على المشي والذي لحقناه أولا قافلة من غزة راجعة إلى بلدها أعني الشام فتأنسنا بها فسرنا بعد ذلك مع الجد في السير فلحقنا آخر الركب فتخلفت آخر الركب على عادتي وهو قد تقدم ليدرك مركوبه ثم سرنا كذلك إلى أن نزلنا وسط السبخة قرب المغرب في زمان قر آخر النهار وإلا فهو حر لا قر وهذه السبخة أعظم أمكنة الدرب وأصعبها لقلة الماء فيها وحرارة أرضها وقوة هوائها قل أن يسلم الحجاج فيها من العطب إذ تغلب شدة العطش فيها فما أقبحها من مكان وقد تركت منزلة وهي منزلة التيه منزلة قبل هذه وليس الخلاص من جميعها إلا بفضل الله تعالى وجوده وكرمه.
ثم منها آخر الليل وعند طلوع الفجر وقع الصياح والويل والنهب (١) في الركب فتأخر الأولون وتقدم الآخرون واختلطت الناس فلا تدري المصاب من غيره فإن الركب جيش بلا رأس وذهب بلا تقطير بل كل يسبق الآخر فإنهم في غاية الإهمال والتفريط والإفراط في القبح بحيث لا يقبلون نصح أحد ولا يقبلون كلام فاضل أو عالم ولا زجر أمير فهم فمي تيه البطلان مترددون وقد اشتد حمقهم وسفههم فظنوا أن الدرب يقطعونه في مدة قريبة فلو ملكوا أنفسهم لطاروا بها فكانت عاقبتهم الخسران والأخذ والسلب فدخلنا بعض المحاربين نحو الخمسة عشر فارسا فاخذوا جمالا من وسط الركب وعليها من الحوائج والذهب ما لا يعلمه إلا صاحبه وقد سمعنا من بعض الثقات ما يبلغ نحو ألفين وهذا الذي ضاع لبعض الناس من بسكرة وهو جندي أي تركي وغيره مما أخذ له وسلب عنه.
نعم بئس اليوم ذلك اليوم وذلك عند طلوع الفجر فلما صلينا الصبح جماعة تأخرت أسأل عما وقع في الركب فقالوا ضاع كيت وكيت فلما سرت خطوات وإذا بالأخ في الله سيدي أحمد الطيب رجع مشرفا نحو المنزل الذي ارتحلنا منه يغيث بعض
__________________
(١) في ثلاث نسخ التناهب.