وإذا بالشيخ قد اكترى لنفسه ولأصحابه والركب ذهب بأجمعه وتركنا وراءه فالبعض منا يقول ننتظر المصري لأنه يرتحل عند الزوال ومنا من يقول نذهب على بركة الله وحس عونه إذ نحن في جماعة كثيرة غير أن المحاربين إذا أتوا في كثرة فلا طاقة لنا معهم ثم وقع الاتفاق منا على المشي من غير تأخير ولا انتظار فعزمنا وارتحلنا ساعتئذ فظعنا منه فسرنا كذلك من غير بأس ولا خوف إلى أن وصلنا عيون الأقصاب فوجدنا ركبنا نازلا هناك فبتنا فيه خير مبيت ونحن لا سمن عندنا فاشترينا في هذا الموضع عكة سمن ونعم السمن هو ذو قابل وضع الله فيه البركة العظيمة قد شاهدناها عيانا ونحن جماعة كثيرة.
وقد كان معنا في الزاد الفاضل الكامل سيدي علي نجل العالم الفاضل الخطيب المحدث سيدي عبد المؤمن البجائي الذي كان مفتيا فيها وسيدي علي هذا قد استوطن محروسة الجزائر وترك داره في بجاية أجزل الله خيره وجعل البركة في دينه ودنياه وكان لنا وله ولذريته بالخير والتوفيق والعلم والعمل والغنى والكفاف والزهد والعفاف إلى غابر الدهر ثم أن هذا السمن فيه خير عظيم وفضل جسيم وما شاهدنا ذلك إلا من الإحسان لإخواننا في الله مثل الود الصدوق والخل الفاروق ذي الفضائل والفواضل والمتوكل على الله الزاهد في الدنيا الراغب في الله سيدي الصالح الغربي (١) وقد شاهدنا فيه أمرا عظيما وكيف لا وهو تلميذ العالم العامل الورع لزاهد المتخلي عن الدنيا رأسا المتبتل المدرس المقتفي أثاره صلى الله عليه وسلم سيدي أحمد بن باباس الفليسي وقد أدركته وزرته في محله المعلوم وتبركت به وقد حصلت لي بركته والحمد لله وكذا ولده وقد صاحبته وجعلته أخا في الله وهو فاضل عالم متعبه زاهد ورع متمكن عارف منعزل في خلوته مدرس له كرامات عظيمة ومراء طيبة قد زبرها تلامذته وقد
__________________
(١) في نسخة العربي.