ابن عمنا سيدي عيسى الشريف فلم يبق إلا خيمتنا فرفعناها وركب الأهل لأنهم ودعوا النبي صلى الله عليه وسلم ليلا فلما انفصلوا في آخر الركب خفنا عليهم غير أن الله حفظهم وأنا بعض الأصحاب منتظرون ولدي وحين وصوله إلينا ذهبت لأودعه صلى الله عليه وسلم مع من كان معي من الحجاج فدخلت مسجده صلى الله عليه وسلم وقصدت قبره الشريف وعلتي قد زادت فلم أجد لها درياقا سوى الصبر.
نعم لم يبق مودع إلا المعظم المكرم الشريف الفلالي أمير الركب منها فوقفت بعض وقوف عند قبره ثم أني دخلت إلى الشيخ الصفي الودود النقي ذي الأحوال الصادقة والأنفاس الطيبة والأعمال الزكية والمواجد الإلهية والمعارف الربانية والعلوم اللدينة صاحب الأوراد والمريدين الشيخ السمان القرشي المدني إذ داره عند باب البقيع فوجدت الود الصدوق والخل الفاروق سيدي محمد الشريف الطرابلسي مع بعض أصحابه فأطعمنا خبزا ولحما وما أحسنه من طعام فلم أذق طعاما مثله ثم ودعناه عند ذلك توديعا تاما قويا إذ نظر إلينا نظر رحمة علمنا منه أنه سقانا بتلك النظرة إذ وجدت أثارها في الحين ثم أوصاني بشرح الصلاة المنسوبة إليه وهي صلاة عظيمة (١) تكاد أن تكون كصلاة الشيخ عبد السلام بن مشيش فعلمت أن الشيخ لا حظني بخاطره وإن كنت لست أهلا لشرحها ففتح الله بعلوم لا تكاد توجد في عصرنا ولا غرابة في ذلك وعند انفصالنا من داره رجعنا إلى توديعه صلى الله عليه وسلم وعظم علي أمر التوديع حتى علا صوتي وارتفع وكاد أمري إلى العويل بل أنوح عليه نياح الثكلى العديمة لولدها وكيف لا وهو أن فراقه أعظم المصائب ولم انفصل عنه إلا بصبر عظيم وهول جسيم وحزن شديد فلم أملك نفسي عند ذلك فعظمت المصيبة وعز الصبر غير أن تسليت بانتقاله من دار الدنيا وفراق أصحابه ثم خرجنا منه على أصلح حال ومنة
__________________
(١) في ثلاث نسخ غميضة.