وبين الوجه مرحلة (١).
تتمة فلما لاح لنا لائح الافتراق ، وانقدح زناد الاشتياق ، تحركت الأحشاء ، وذابت الأكباد وانهمرت العيون بالبكاء ، وأصابت النفس العبرة فكادت ان تزهق الروح من شدة ما أصابها من ألم الفراق واضطرم القلب وانحراق من قوة ما وجد من عذاب البين ومفارقة الصديق الأمين صلى الله عليه وسلم فلم يوجد زمان أحلى وأعذب من زمان الوصول إليه ومشاهدة حضرته والتلذذ في محاسن روضته ولا أشهى من الوقوف بين يديه.
نعم ولا أصعب من يوم فراق دائرته وقد انغم القلب حزنا بل أعتل بعلة لا يعلمها إلا من وردت منه وخلقها عند قرب مفارقته فحرارة الجسم كادت أن لا تبرد وقلق القلب قد قوي وضل وهام فعز أن لا يهتدي.
وبالجملة فأمراض البين لا يعلمها إلا من شارك في هذا السبب وهو الذي أصابه ما أصابنا فعند ذلك ينتقي عند اللوم فلا مصيبة أعظم من هذه الآفات فأنا حيران وولهان ، بكثرة الهموم والأحزان ، وضرورة عند مفارقة الأحباب والخلان ، نعم لما دنا وقرب السفر من المدينة المشرقة ظهر لي ترك السفر والرجوع في ذلك إلى الوطن ليزول عن الاشتياق بمجاورته صلى الله عليه وسلم فعزمت على المجاورة وسألت أولاد الفاضل الكامل ذي الحب والود في الله أولاد الشيخ الجملي إذ كان الشيخ صديقا لنا في الحجة الثانية عن المنزل أسكن فيه فقالوا نعم وفرحوا بذلك وسروا سرورا عظيما فذهبت لخيمتنا فأعلمت أهل الدار بذلك أعني النساء وقد أصابهن مرض شديد كاد بعضهن أن تصل إلى السياق وهي الحرة الجليلة الكريمة
__________________
(١) في نسختين ما نصه سقطت هنا ورقة ولم ينبه عن ذلك في غيرهما.