له أطرافنا فرحا بقدومه لما قاسينا من شدة الحر الذي لم نعهد مثله في قطرنا فكانوا ينهوننا عن ذلك ولا ننتهي ويقولون ليس هواء هذه البلدة وبردها كالتي تعهدون فكنا لا نلتفت لذلك ثقة بما نعهد في أنفسنا في بلادنا من الصبر على بردها الذي لا يكون برد هذه البلدة بالنسبة إليه إلا كنسبة زمان الاعتدال قال فكان ذلك مع قدر الله تعالى هو السبب في حصول المرض المتطاول لنا ولأصحابنا ويشهد لمقالهم في ذلك قول أمير المؤمنين مولانا علي بن أبي طالب رضي الله عنه اتقوا البرد في أول أبانه وتلقوه في آخر أوانه فانه يفعل بالأبدان ما يفعل بالأشجار فأوله محرق وآخره مورق ذكره الزمخشري في كتاب ربيع الأبرار له قال ولقد صدقوا في ذلك خصوصا في تلك البلاد فان بدن الإنسان يكون مشتعلا حرارة ويبسا لغلبة الحر فإذا فاجأ البرد البدن في تلك الحرارة أضر به بخلاف البرد الذي يجيء في آخر الأبان فانه يصادف البدن قد سكنت حرارته والله أعلم.
ومن عادتهم أن لا يتولى خدمة الحجرة الشريفة والمسجد إلا عبيد أغوات موقوفون على ذلك لا يشاركهم غيرهم وشيخ الحرم هو كبيرهم والأغا بلغتهم كناية عن الخصي من العبيد واختاروا وقف الخصي دون غيره لكونه أطهر وأنزه وأكثر فراغا من الأشغال إذ لا أهل له ولا ولد يشتغل بهم وهو أبعد من دنس الجنابة ومباشرة النساء وهم عدد كثير قريب من الثمانين يزيدون وينقصون بحسب كثرة الراغبين في الوقف وقلتهم والأربعون منهم هم الكبار الذين يأتي رزقهم ومئونتهم من بيت المال وما زاد على ذلك إنما يرزقون من الأوقاف التي لهم بالمدينة أو مما يأتيهم من الهدايا والصدقات من أقطار الأرض ويسمى ما سوى الأربعين البطالين لأنهم إنما يستعملون في الأشغال التي هي خارج الحجرة والمسجد النبوي من الأعمال الممتهنة ولا يجلسون مع الأكابر في الدكة إنما يجلسون خارجها ولهم ضبط وسياسة كسياسة الملوك فلكل واحد منهم رتبة معلومة وشغل معلوم فإذا مر بالأصاغر أحد الأكابر