آخره ثم سرنا كذلك إلى أن دخلنا وادي النار وهذا الوادي قد وافق فيه الاسم المسمى إذ لا يخلو من شدة تقع للحاج فيه من عطش وموت ومرض وهو واد كبير قد انطبق عليه الجبلان من النبط إلى الخضيرة فلا ينفذ فيه الهواء غالبا لأن الهواء إذا تحرك بالرياح انطبق عليه الجبلان فينعكس الريح إلى ما وراء وتحدث الحرارة والسموم في الهواء فينشأ الهلاك منه ولا ماء هناك من النبط إلى الينبع فإذا قبح الهواء مع الحرارة مات من الناس ألوف مؤلفة في أسرع مدة فيأخذ الرجل الماء فلا يضعه من يده حتى يموت وقد صار ذلك في رجوعنا.
نعم اشتد بنا العطش أنا وجماعة من الفضلاء كثيرا قرب وصولنا إلى النبط وإذا بأعرابي أتانا بقربة ماء عذب وأظنه من ماء المطر بارد كأنه من ماء الثلج وسقى جمعينا لوجه الله العظيم ولو طلب الدراهم لأخذ منها كثيرا لقرب الموت والهلاك منا فاستغربنا حال الرجل وما صدر منه إلينا من غير طلب شيء ولو دعوة خير إذ عادة الأعراب لا يعطون شربة الماء إلا بفلوس كثيرة لا سيما عند العطش ونحن والحمد لله قد وقع بنا فضل عظيم وجود كريم.
ثم سرنا كذلك إلى أن وصلنا الخضيرة أوان العصر وهذا المنزل لا ماء فيه أصلا وبتنا فيه على أحسن حال وأتمه وارتحلنا منه آخر الليل ثم كذلك إلى أن صلينا الصبح وقطعنا الأمكنة المسماة بسبع وعرات فخرجنا إلى متسع من الأرض وبلغنا إلى ينبع النخل بين الظهر والعصر في حر شديد ووجدنا المصري نازلا هناك فنزلنا حذاءه الفلالي والجزائري والفزاني فلما خيمنا البيوت تفرقت الناس على المياه وشراء علف الدواب وما يحتاجونه من الزاد إذ سوقه عظيم ونخله كريم واستبشر الناس بوصولهم إلى هذا المحل لأنه أول بلاد الحجاز بالعمارة وفيها قرى كثيرة ومزارع ونخل وعيون جارية وهو انتهاء موضع وصله صلى الله عليه وسلم وفيه أخبار