بوصية منه كراهية أن يدفن في البلد الذي هاجر منه فمن قائل أنه بهذا الوادي ومن قائل أنه بالوادي الذي بطرف المحصب وهو الذي شهره كثير من الناس إلا أنه ليس هناك قبر ينسب إليه قال وقد زرناه في هذا المكان بحسن النية وأكثر الناس اغتسل بهذا المكان لدخول مكة اقتداء بمن قال إن هذا هو ذو طوى الذي بات به صلى الله عليه وسلم واغتسل فيه واستحب أكثر العلماء الاغتسال فيه والتحقيق ما عليه كثير من المؤرخين أن ذا طوى أمام هذا وليس بينه وبين مكة واد آخر هو الوادي الذي وراء قيقعان وبأسفله الموضع المسمى بالشبيكة حيث الثنية السفى التي يخرج منها الحاج فأعلى هذا الوادي هو ذو أطوى وأسفله هو الشبيكة انتهى ونزلنا ذا طوى ظهر الأربعاء خامس ذي الحجة الخامس والعشرين من يناير وبتنا به في مسرة أعظم بها من مسرة ، لم تدع من العناء ذرة ، ويا لها من مبرة ، نولت كل قلب قرارا وكل عين قرة ، فلما صلينا الصح اغتسلنا غسلا خفيفا كما هي سنة المحرم لدخول مكة بذي طوى وبللنا بذلك غلة الجوى ، فارتحلنا آمّين أم القرى ، ودخلنا من باب المعلى ، وهو الثنية العليا التي دخل منها المصطفى سيد الآخرة والأولى ، عليه أفضل الصلاة والسلام وإنما هما وأعطرهما وأزكى وهي المسماة بكدا بالفتح وقد بالغت الولاة في حفر هذه الثنية وتنقيتها من الأحجار حتى صارت كأحد الأزقة ومع ذلك ففيها صعوبة ومنها يشرف على مقبرة مكة المسماة بالحجون وهي أحدى المقابر التي تضيء لأهل المساء كما تضيء الكواكب لأهل الأرض كما ورد في الحديث.
انعطاف إلى ما كنا بصدده فلنرجع إلى تعداد مراحلنا من العقبة إلى مكة المشرفة ولما أن قربنا العقبة دخلناها بشرهة عظيمة ونزاهة كبيرة والحجاج قد شاك جمعيهم السلاح التام وقامت الصيحة والتنادي وارتفع حس البارود وصوت البنادق إلى أن دخلنا منزل العقبة فخيمنا فيه البيوت قرب الركب المصري إذ وجدناه هناك وأقمنا فيه ما كتب لنا في نشاط عظيم وتسوق قوي وفيها سوق لا يكاد أن يحصى ما فيها من