ولاحت لنا من أعلام القرب الهوادي ، رحلنا آخر الليل سحرا ، وما جعلنا سوى شد الحمولة وطرا ، فسرنا ونسمات الوصال تهب علينا ، وبشائر التلاقي تترادف إلينا ، وظفرنا بمسرة ما ظفر بها مسرور ، ولا طوى كشحه عليها مصرور ، وقلنا بالقلوب والقوالب ، الحمد لله الذي أدنانا وأنالنا المطالب ، وبلغنا جميع المئارب ، وبلغنا سرف (١) ضحى وبها قبر (٢) أم المؤمنين ذات النقيبة الميمونة ، الهلالية السيدة ميمونة ، رضي الله عنها وأرضاها ، بمقاصير فراديس الجنان حباها ، توفيت بهذا الوادي ، وكان من غريب الأنفاق ، الذي ليس للأذهان إليه انسياق ، أن بهذا الوادي بنى بها سيدنا صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهما وكان تزوجها بمكة وهو محرم في عمرة القضاء وبنى بها بسرف في رجوعه وعلى قبرها بناء ، ومسجد فزرناها خارج البناء ، معظمين لرحمتها ، راجين حسن بركتها ، وزار من معنا من الحرم معظمات للحرم ، وركعنا في مصلى النبي صلى الله عليه وسلم هنالك ، وتجاوزنا نفري المسالك ، إلى أن جئنا التنعيم وقد متع النهار حيث المسجد المنسوب للسيدة عائشة رضي الله عنها بني في المكان الذي أحرمت منه بالعمرة مع أخيها عبد الرحمن رضي الله عنه بأمر من النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع ومن ذلك المكان يحرم الناس بالعمرة في المواسم وغيرها وهو أدنى الحل حتى صار يطلق على المكان اسم العمرة تسمية للشيء باسم ما يقع فيه فنمنا هنالك واسترحنا ، وطبنا واطمأننا ، وقمنا وتوضأنا ، وفي مصلاه صلى الله عليه وسلم ركعنا ، فسرنا وتجاوزنا المكان المسمى بالزاهر ويسمى جنان مكة وبه آبار وبه قبر يذكر انه قبر الصحابي الشهير الإمام المشهور أبي عبد الرحمن عبد الله بن عمر رضي الله عنها.
قال الإمام أبو سالم فقد صح انه مات بمكة بعد الحج فقيل أنه دفن خارجها
__________________
(١) كذا في الرحلة الناصرية وفي نسخة قوصلنا إلى العمرة وفي ثلاث نسخ بياض.
(٢) في الرحلة الناصرية قبة.