البوادي ، وهو واد خصيب ، يرى فيه طالب النزاهة أوفر نصيب ، أغصانه زاهية ، قطوفها دانية ، وأطياره ناطقة ، وجداوله دافقة ، ومزارعه تنبت من كل زوج بهيج ، ويفوح من أزهارها كل عرف أريج ، وهي زائدة الابتهاج ، وعلى كل حديقة سياج ، فلو رآه مصري من الناس ، نمي الروضة والمقياس ، به عشش تسكنها عرب البوادي ، وبأرضه ينبت شجر الكادي ، قال الشاعر :
يا حبذا واد فسيح الفضا |
|
أريجه قد عطر النادي |
كم فيه من باغية قد زكت |
|
وفيه زهر الفل والكادي |
وكم ثمار وزروع به |
|
والماء فيه ينعش الصادي |
قلت لخلي حين شاهدته |
|
ولاح لي نور السنا بادي |
هل دار ليلى (١) قد تدانت لنا |
|
فقال لي أنك بالوادي |
ووصوله خمس عشرة ساعة في السير ، وخمس من الدرج بالتحرير ، ثم سرنا إلى سبيل الجوخي المعروف ، ورأينا جنان مكة دانية القطوف ، ثم مررنا بمساجد ميمونة بالعمرة ، وقد اقترن لسماء سموها كوكب الثريا بالزهرة ، ولاحت لنا أعلام الديار ، ومشاهد المشاعر والآثار ، ووصلنا ثنية كدا ، وبعدها المعلى التي بها مشاهد أهل الهدى ، وكنا عند خروجنا من عدم الوصول خائفين ، حتى تلقتنا هواتف البشائر لتدخلن المسجد الحرام أن شاء الله آمنين ، فدخلنا من باب السلام ، وشاهدن البيت والمقام ، وطفنا طواف القدوم ، وذهبت عنا الهموم ، وجئنا إلى محل الصفا ، وسعينا في طلب الوفا ، ولما تم سعينا بالطواف ، وحفتنا من عناية الله الألطاف ، أقمنا بمكة بالإحرام ، إلى سابع ذي الحجة الحرام ، انتهى كلام البكري.
ولنرجع إلى تعداد مراحلنا ، وذكر منازلنا ، ولما اطمأن المنزل بنا بالوادي ،
__________________
(١) كذا في الرحلتين العياشية والناصرية وفي جميع النسخ هذه ليلى.