الغالب غالية.
ولما حان للشمس أفول ، شمر الركب المصري الذيول ، فقام وأرتحل ، وعن رابغ انتقل ، وبتنا هنالك وفي غد تهيأنا للإحرام ، فاغتسلنا وأزلنا ما في أزالته فضل ورغبة من الشعث ، وألقينا التفث ، وأخرنا الإحرام ، فارتحلنا ضحى الأحد ثاني الشهر إلى أن وازينا (١) مهيعة ، وتراءت أبنية الجحفة ، اتحفنا هدايانا بأكمل تحفة ، فقلدنا وأشعرنا ، وجللنا وتجردنا ، فركعنا وأحرمنا ملبين ، بالحج مفردين ، وللفرض الكفائي ناوين ، وحافظنا على استحضار النية ، وواصلنا الإحرام بالتلبية ، واتبعنا فيها السنة السنية ، وتابعنا السير بها ضارخين ، غير مفرطين ، ولا مفرطين ، مستبشرين آمين ، مسرورين مطمئنين ، ولبث الناس في ثياب إحرامهم ، كأنهم نشروا من قبورهم بأكفانهم ، يزفون (٢) ويهرعون للموقف.
وسرنا كأموات لففنا جسومنا |
|
بأكفاننا كل ذليل لمولاه |
لعل يرى ذل العباد وكسرهم |
|
فيرحمهم رب يرجون (٣) رحماه |
ينادونه لبيك لبيك ذا العلى |
|
وسعديك كل الشرك عنك نفيناه |
ولو كنت يا هذا تشاهد حالهم |
|
لأبكاك ذاك الحال في حال مرآة |
وجوههم غبر وشعث رؤسهم |
|
فلا رأس إلا للإله كشفناه |
لتزداد روعا من خضوع لربنا |
|
وما كان من درع المعاصي خلعناه |
وذاك قليل في كثير ذنوبنا |
|
فقد طالما رب العباد عصيناه |
إلى زمزم زمت ركاب مطايانا |
|
ونحو الصفا عيس الوفود صففناه |
__________________
(١) في نسخة ان رأينا.
(٢) في نسخة يرفلون.
(٣) في نسختين ويرجون.