وجميع تلك الأسواق خارجة عن المساكن ، ويعم نفعها الساكن والظاعن ، فنصبنا بهذا البندر الخيام ، وأقمنا به ثلاثة أيام ، ومدة المسير إليه سبع عشرة ساعة في العدد ، محررة في ميقاتها صحيحة السند ، انتهى كلام البكري.
ثم رحلنا من الينبع ومررنا على السقائف ودار الوقدة ثم كذلك من الرمل المشرف على بدر ثم كذلك إلى أن نزلنا بدرا وسمي هذا المنزل دار الوقدة لأنهم يوقدون فيه الشمع الكثير يستصحبه الناس معهم من مصر لذلك ويبيعونه في الركب ويجعلونه على اقتاب الجمال بالليل فترى الركاب كله كأنه من أعظم المساجد المسرجة مصابيحها في أحد المواسم.
قال أبو سالم وشاع عندهم أن الصحابة في غزوة بدر أوقدوا هناك نيرانا كثيرة فنحن نشتبه بهم وتلك غفلة منهم وخطاء من وجهين أحدهما أن وقوع الأمر بإيقاد النار الكثيرة إنما كان في غزوة الفتح بمر الظهران كما هو معروف في كتب السير وأما بدر فلم يقل فيها أحد بذلك وثانيها لو سلم أن ذلك وقع فيها فقد كان لإرهاب العدو وإظهار قوة المسلمين وكثرة عددهم فحيث لا ضرر فلا عدو له ولا شك أن الفرح بنصر الله أولياءه على أعدائه والاستبشار بالأماكن التي اعز الله فيها الإسلام أمر مطلوب مستحسن ما لم يؤد ذلك إلى محظور مثل اعتقاد أن الوقود سنة متبعة بل ربما ظن بعضه أنها من أفعال الحج فلتعظم بغير ذلك من فرح وسرور وصدقة وعبادة وأعلان بشكر وقد جاءني كثير ممن لا شمع عنده يستفتون ويقولون لا شمع عندنا فهل يلزمنا شراؤه ممن هو عنده ظانين أن ذلك من مناسك الحج وشعائره وكم مثلها من بدعة محدثة يرى الناس أنها من أعظم القربات نسأل الله أن يثبتنا على سنة النبي صلى الله عليه وسلم المستقيمة التي لا ترى فيها عوجا ولا أمتا انتهى.
ثم إن الركب يتوسط وتوسطنا بين الجبلين جبل الرمل الكبير المشرف على بدر