ومدة المسير إليها عدد كاف ، وهي عشرون ساعة من غير اختلاف ، ثم سرنا إلى طراطير الراعي ، وهي مكان تحمد فيه المساعي ، وهي جبال سود فوق الجبال ، وتسمى أيضا بالأباطح كما يقال ، ثم إلى واد يسمى وادي النار ، وهو واد بين جبال ووعر وغبار ، ثم نزلنا بالخضراء وقيل الخضيرة بالتصغير ، وهي من أعمال بندر الينبع في المسير ، قال الشاعر :
أنظر إلى الخضراء واغنم بسطها |
|
تلقى رباها نزهة للرائي |
فلرب حشاش شكا من همه |
|
قد زال عنه الهم بالخضراء |
ومدة وصولنا إليها في المسير (١) ثم رحلنا منها واستقبلنا دار البقر ، ورأينا أول الوعرات قد ظهر ، وهي سبع وعرات كبيرة ، أصعبها الأولى والأخيرة ، بين كل وعرة فضاء وبعده عقلة في الطريق ، ويليها شفاء جبل هائل ومضيق ، ثم أنخنا الركاب ببندر الينبوع ، وهو أول بلاد الحجاز في الذهاب وآخرها في الرجوع ، به حدائق ونخيل ، وعيون بين زروع تسيح وتسيل ، وكان به سور ، منيع وجامع مفرد وسيع ، وبيوت فسحة الرحاب ، فآل أمرها إلى الخراب ، وبه الآن سوق الحجاج ، يأخذون منه الذخيرة عند الاحتياج ، وبه أفران وحيشان كبار ، وعشش تسقى فيها القهوة من أيدي الجوار ، قال الشاعر :
حبذا بندر ينبوع وما |
|
في رباه من رياض وعيون |
وسقاة من ملاح نهد |
|
يصرّ عن الصب من نبل العيون |
فارتحل عنهن واذهب وانتصح (٢) |
|
فإذا خالفت أذهبت العيون |
__________________
(١) بياض في الرحلتين العياشية والناصرية وكذلك في ثلاث نسخ وفي نسخة معلومة بلا ضير والغالب على الظن أن هذه الزيادة من الناسخ.
(٢) في ثلاث نسخ واتضح وفي الرحلة العياشية وانتظم.