وعيون الماء فيها قد جرت |
|
كسيول الغيث بن القصب (١) |
فجلسنا بصفاء حولها |
|
وظفرنا عندها بالأرب |
وتشوقنا لشاد مطرب |
|
يتغنى بعيون القصب |
ورأينا مجاورا لتلك العيون ، نسوة من العرب يوصفن بحسن العيون ، ويتعاجبن بظفائر الشعور ، فيمنعن من عقل الحب الشعور ، كأنهن الأقمار ، وكأنما نبتت في وجناتهن الأزهار ، فكأن قطع المفاوز والأوعار ، كالمتنزهات في الرياض والأزهار ، قال الشاعر في بدوية اسمها ساكتة :
بروحي أفدي ظبية بدوية |
|
لها وجنة فيها الأزاهر نابته |
إذا رمت منها أن تكلمني غدت |
|
تكلمني ألحاظها وهي ساكته |
ومدة المسير إليها أربع عشرة ساعة وثلاثة من الدرج ، يتعب في سيرها من ركب ومن درج ، ثم ارتحلنا منها إلى بندر المويلح المشهور ، ورأينا بساحله المراكب من السويس والطور ، فيا له من بندر فاق البنادر ، يأتي إليه الوارد والصادر ، وبه جملة من الكروم ، التي تذهب برؤيتها الهموم ، وبمخازن القلعة تودع الودائع ، وإلى سوقها تساق نفائس البضائع ، من ثمار تجلبها العرب ، وزلابية عجينها كاللجين فإذا قليت أشبهت الذهب ، وبهذا البندر رجل من أرباب الأحوال ، حاز رتبتي الجلال والجمال ، صاح مجذوب ، تميل إليه محبة القلوب ، وله أسرار ظاهرة ، ومكاشفات باهرة ، يعتقده الناس ، ويحصل لهم بهم الإيناس ، لا يعرف الدرهم ولا الدينار ، ولا يقبل إلا القوت عند الاضطرار ، لباسه جبة من صوف ، ورأسه في غالب الأوقات مكشوف ، إن نطق تكلم على الخواطر ، وإن صمت نطقت عليه ألسنة الناس بالثناء العاطر ، ويكسوه المارة العدد ، فيقبلها ويعطيها لمن وجد ، لأن من رآها عليه ، يطلبها فيدفعها إليه ،
__________________
(١) في نسخة الغصب وفي أخرى الغضب.