وحدثنا بعض حجاج القدس التقوا مع المصري في سطح العقبة أنه لاقوا من البرد والثلج والمطر ما يقضى منه العجب مكثوا يومين وليلتين ما أوقدوا نارا ولا قدروا عليها ولا أكلوا من كثرة المطر وأخبرني واحد منهم أنه عليه عدة لباس من الأقبية والقمص وجوخة فوق ذلك وبات من أول الليل إلى آخره واقفا ورجلاه داخلتان في الطين إلى ركبتيه والمطر يصب عليه حتى أفضى إلى لحمه وعاينوا من ذلك الموت الأحمر ونحن والحمد لله سلمنا الله من ذلك كله.
تتمة في ذكر كلام البكري من النخيل إلى العقبة قال ثم سرنا من النخيل إلى وادي القريض المشهور ، وهو واد ينبت به الشوك عوضا عن الزهور ، فكم آذى بشوكه أقدام ، وعطل من له على المشيء إقدام ، ولا سيما الفيحاء لاتساع أرضه ، وزيادة فضائه في طوله وعرضه ، قال الشاعر :
في وادي القريض (١) كم سائر |
|
من غير نعل ثابت الكعب |
قد صار كالأعجام من شوكه |
|
يرقص من رقص على الكعب |
وسيرنا اثنتا عشرة ساعة كاملة ، محررة من الميقات متواصلة ، ثم سار الركب إلى بئر العلاء في التجريد ، وهي محطة ببئرها معطلة وليس بها قصر مشيد ، وبقر بها حدرة منحدرة (٢) ، وأشجار أتل منتشرة ، وبجانبها فسقيتان ليس بهما منفعة ، فما ورد عليها حيوان ظمآن إلا وقام عند رؤيتها بالأربعة ، قال الشاعر :
إلى بئر العلاء قد أتينا |
|
وفزنا بالنجاح وبالهناء (٣) |
شكرنا للدليل وقد دعانا |
|
إلى شيء يوصل للعلاء |
__________________
(١) في الرحلة العياشية في وادي فيحاء.
(٢) في الرحلة العياشية حذرة وفي الرحلة الناصرية جدرة منحذرة.
(٣) في غير الرحلة العياشية وبالثناء.