ونوع المهابة لأمرها فما من الركب إلا من هو من لباس الصبر مسلوب ، فحصل هناك من الزحمة ، ما تقطعت به القلوب رحمة ، وتصادمت المحاف وتكسرت ، وبرزت أنياب النوق وتكشرت ، فما كان بأسرع من خمود أمرها ، وركود حرها وجمرها ، وهي عقبة كؤد ، صعبة الهبوط والصعود ، إلا أن الطريق بها منحوتة ، قد سويت في أكثر الأماكن الصعبة ، وبنيت حافاتها ببناء متقن.
ولما كان المحل معروفا بلصوص الأعراب وحرابتهم ، تهيأ الناس وأخذوا حذرهم وأبرزوا أسلحتهم ، وعبوا تعبيتهم ، خوفا من أعدائهم فإن الغالب لا بد أن يتعرضوا للركب في هذا الموضع لصعوبته وتقدمت طائفة من الحجاج بمدافعهم أمام الركب وتأخرت طائفة وكفى الله المؤمنين القتال وكان الله قويا عزيزا فلم نر بها سارقا ولا غائرا ، ولا عاتيا ولا غادرا ، فانفرجت هذه الشدة ، وكفى الله منها مدية المدة ، فما زهقت روح ، ولا أثيرت جروح ، وخلص الناس من تلك الضغطة ، وخرجوا من ضيق القبض وجلسوا على بسطة البسطة ، ونزل الناس منها سالمين ، وقيل الحمد لله رب العالمين ، قال الشاعر :
كم قد فككنا رقبة |
|
لا اقتحمنا العقبة |
وكم لنا من أمنية |
|
في حجنا مرتقبة |
وبعد أن نزلنا من المنحدر الصعب جعلت الطريق تلتوي في شعاب كأنها أزقة يكثر فيها المخاوف والمتآلف فيرى البحر من بعيد فيظن أنه قريب ووصلنا البندر ظهرا ولم يبلغ الحاج إلى قرب العصر ووجدنا المصري به مخيما وأرسل إلينا أمير الحاج إمامه ، وأبلغنا سلامه ، واسمه إبراهيم أبو شنب وأقمنا بها الخميس والجمعة وفيها حصن حصين في قرية على شاطئ البحر في سفح الجبل وبها آبار كثيرة وفيها نخيل وسوق كبير يحضره أهل غزة وتأتيه العرب بالإبل والغنم والسمن والعسل والعلف