من نزلها بعد المغرب ونحن والحمد لله في جماعة لا نسير إلا آخر الركب صونا للضعفاء ومن بقي رحله وقد بقي رحل ولد الشيخ الناصح والقطب الواضح سيدي محمد بن عبد الله بن أبي جملين المسيلي الغوث فرفعناه على بغالنا إلى أن لقينا صاحبه سيدي أحمد فرفعه وبعد ذلك والحمد لله سرنا ساعات فدخلنا التيه الذي تاه فيه بنو إسرائيل وقد سبق ما فيه من الكلام ما أوحشه من موضع وأصعبه من محل لكثرة حره وشدة أمره مع انعدام الماء فيه وقد كثر فيه الهلاك من العطش زمان الحر فلا تجد من يسخى بالماء إلا من قوي يقينه وغلب عليه الرقة والشفقة والرحمة والخوف من الله تعالى ترى القوم فيه صرعى كأنهم أعجاز نخل خاوية فهل ترى لهم من باقية من ثوران الحر في ذلك الموضع إلا أن رحمة الله واسعة ورأفته قوية ونعمته بالحجيج شاملة خصوصا أهل المعرفة بالله تعالى فلا تراهم فيه وفي غيره مما هو نظيره في الصعبة إلا كالعرائس تتلألأ وجوههم نورا وتنبسط أثار محبة الله في طلعة خدهم علما منهم أن غاية أمرهم غيهم عن اليم ما هم فيه وهو بيت الله وحرمه وكذا حضرة الله وحضرة رسوله صلى الله عليه وسلم وحرمه أيضا فلما شهدوا مطلوبهم غيبهم ذلك عما لا قوه من العذاب وبعد تلك المرحلة وصلنا بندر النخيل فنزلنا عند الضحى الأعلى والله اعلم في فرح وسرور لما سلمنا من أرض التيه.
وقد مات لنا واحد من أصحابنا وهو رجل من العامة رجل صالح مديم للصوم كثير الصمت قليل الاضطراب فلا ترى عليه إلا آثار الخير دائما وهو الحاج محمد بن مدشر اسمامة من قرى بني ورثيلان وبندر النخيل بندر عظيم فيه عسكر كما في عجرود وفيه أسواق فكل ما تريده موجود لأنه يأتي من ناحية الشام أناس بذلك أي من بيت المقدس وقربها محل فيه أبسط الخيرات وأنواعه الملذوذات لا سيما الفواكه في زمانها فلا ترها في غير ذل المحل والشكر لله تعالى وهذا البندر رحمة للحجاج فوضعوا فيه أمتعتهم تخفيفا ورحمة بالإبل إلى أن يرجعوا وكذا اشترى من