والمتأخر ، وسرنا ولم يزل البرد ساحب أذياله ، إلى أن حان وقت العصر فاشرف جرحه على اندماله ، فصلينا صلاة العصر ببئر الصعاليك وتسمى ببئر البارود وهي بئر كبيرة طويلة مطوية بحجر وبناء متقن في أصل واد وبجانب البئر أثر بناء وبركتين إلا أنه لا عمارة عليه وماؤها باردا إلا أنه قبيح لا يكاد الشارب يسيغه فتقدمنا ونزلنا بعد المغرب ثم ارتحلنا منه بعد صبح يوم الأربعاء سابع ذي القعدة الثامن والعشرين من دجنبر سابع عشر الليالي في اشتداد القر ، وتزايد الصر ، ولما تعالى النهار تراءت للركب خيل وإبل للمحاربين (١) فأخذ الناس حذرهم ، وكفى الله شرهم ، ثم تبين بعد ذلك أنهم سلم للحاج لا حرب لهم وإنما أغاروا على بعض أعدائهم وأكلوا والتقوا مع الحاج وبتنا بسطح العقبة.
انعطاف ورجوع إلى ما عليه ركبنا وإنما نقلت كلام شيخنا سيدي أحمد بن ناصر وما رأى في هذه المراحل وما رآه فيها من العجائب والاعتبار حتى يعلم الإنسان أنه لا يسلك تلك الطريق أحد إلا بفضل الله وقوته والسلامة فيها من المعاطب من أكرم الكرامات لا سيما زمان الحر وزماننا هذا لزيادة ظلم الظالمين ، وعتو المجرمين ، ومكر الجمالين ، وسرقة الحجاج وصولة تحيلهم إلا من أجاره الله برحمته وقد وصلنا بندر عجرود بعد صلاة العصر في يوم حر شديد وعجرود هذا كثر ماؤه غير أنه لا يمكن شربه من قوة قبحه وتغير مائه وبتنا هناك ونزل رحلنا في حرف الركب وبعد جواز ثلث الليل وإذا بالسراق أتوا إلينا أي إلى ناحيتنا فرفعوا جملا للحاج عبد الله الشباخي (٢) وقد كان جمال شيالنا وكذا عندي جملان أمرت عند النوم بزوالهما من ذلك الموضع إلى موضع آخر فأتوا إليهما فوجدوا المكان فارغا ووجدوا هذا الجمل هناك ولم يكسب صاحبه إلا هو فذهبوا به نعم بنفس رفعه استيقظ جيراننا وممن
__________________
(١) في الرحلة الناصرية الحراميين.
(٢) في نسخة الشياخي.