وميقات المسير إليه عشر ساعات على التمام ، وبعد إقامتنا به إلى وسط النهار تهيأنا للقيام ، ثم نادى المنادي بالرحيل ، فسرنا إلى وادي تيه بني إسرائيل ، وهو واد واسع الفضا ، يعتبر فيه بأحوال من مضى ، ليس فيه ماء ترده الأنام ، ولا ظل سوى ظل بني إسرائيل من الغمام ، قال الشاعر :
لا تسلكنّ بوادي التيه منفردا |
|
بلا دليل ترى وقع الردى فيه |
فما سمعت كلاما من أخي ثقة |
|
في الناس إلا وقال أحذر من التيه |
ومدة المسير إليه عشر ساعات ، حررها أهل الميقات ، ثم سرنا إلى قلعة تحل الحصينة المحمية ، وتعجبنا من كثرة الفواكه الشامية ، من سفرجل ورمان ، وعنب على اختلاف ألوان ، والخيرات الكثيرة ، وما يحتاج إليه من الذخيرة ، والفساقي المملؤة بالماء البارد ، المعدة للغادي والوارد ، قال الشاعر :
إلى نخل الحصينة سر حميدا |
|
ترى فيه المنى والخير باقي |
ولا تشك الظمأ لفقد ماء |
|
فساقيها مقيم بالفساقي |
ومدة المسير إليه ست ساعات محررة ، وخمس من الدرج مقدرة ، انتهى كلامه رضي الله عنه.
رجوع وانعطاف إلى التعداد لمراحلنا والائتلاف ثم فوضنا الأخبية ، وحلمنا الامنية ، من منزلنا الذي جاوزنا النخيل إليها في صر شديد ، وبرد متزايد جديد ، تخال الأيدي منه رميت بالشلل ، والأرجل نظمت بالسلا والاسل ، قال الشاعر :
رحلنا العيس نمشي في هواء |
|
له برد على الغادي يشقّ |
فما في الركب إلا من تراه |
|
له حنك بسورته يدقّ |
ولم يزل الهواء كذلك إذا سد منه منخر جاش منخر ، وعم ببرده المفرط المتقدم