من غير تأن لا سيما في محل الضيق والخوف ولا يبالون بما أتلفوا من أنفسهم وأموالهم خشية التأخر والمزاحمة على القرب من أول الركب لغلبة الجبن والخوف عليهم إذ لا يعرفون في بلادهم قتالا ولا مدافعة عن الأنفس والأموال لكونهم رعايا أن شتموا مروا ، وأن ضربوا فروا ، وكلما نقص الله من جهدهم وجرأتهم ، وبطش أيديهم زيد في ألسنتهم ، حيث لا يخافون فيبالغون في الشتم والسب حتى لا يكد سامعهم يملك نفسه فإذا رأوا من هم بضرب خضعوا وقالوا عافية يا مغربي عافية ويقولون المغاربة مجانين لا يعرفون إلا الضرب وكان الضرب عندهم أبعد بعيد يصدر من شخص عاقل ولعمري انه لكذلك في حق كل مسلم لمسلم ولكن الغريزة الغضبية لا سيما ممن لم تذلله الأحكام ، ولم تكسر من سورته شدة الأيام ، لا يملكها إلا الأقوياء وهي لا تنتهي دون أبلغ عقوبة تمكنها نسأل الله تعالى أن يكفينا شرها ، ويسخر لنا أمرها ، أنه سميع مجيب انتهى.
قال البكري في رحلته من عجرود إلى النخيل ثم سرنا إلى النواظير ورأس وادي المنصرف ، وهو واد بكثرة الرمال والكثبان قد عرف ، ليس به ماء ومرعى ، وإنما عيون الناس بمضيق أرجائه ترعى ، قال الشاعر :
نزل الركب بوادي المنصرف |
|
وعلى لقياه كم مال صرف |
نحمد الله الذي جئنا له |
|
وجميع الهم عنا منصرف |
ثم سرنا إلى وادي القباب ، وهو واد فسيح الرحاب ، تهيم به قلوب الأحباب ، ويتذكر به عهد زينب والرباب ، لا سيما اجتماع الأصحاب ، في مواطن البعد والاغتراب ، قال الشاعر :
شافنا وادي القباب المرتضى |
|
في اسمه وهو فسيح في الربى |
فوصلناه وقد قلنا عسى |
|
بعده نأتي إلى وادي قبا |