خلفناه وراء ظهرنا ، فأرحنا ركبنا ، ونزلنا لصلاة الظهر ، وإراحة الظهر ، ولما بلغنا ركبنا وكنا في أخرياته وزالت الشمس ، ولم يبق في زوالها لبس ، إذنا لها ، ثم أقمناها ، فصليناها جماعة ، وكان ذلك لأهلها أربح بضاعة ، فتمطينا مطايا المسير ، وشمرنا لقطع المراحل أبلغ تشمير ، حتى أنخنا بغربي وادي السدرة والخروبة ، والسرقة في تلك الليلة من كل ناحية من الركب أعجوبة ، ولكن الله تعالى سلم وفده ، فرد على السارق في نحره كيده ، فأخذوا بغلة لسيدي أحمد بن أطاع الله وضايقوهم عليها ففروا عنها وأخذها صاحبها وسمي الوادي بشجرة كبيرة من الخروب ومن السدر في أصل الوادي ثم ارتحلنا من هناك يوم الأحد رابع ذي القعدة الخامس والعشرين من دجنبر الرابع عشر من الليالي وسرنا مع الوادي برهة ومررنا بالعقبة المشرفة على التيه وقت الضحى ونزلنا (١) بعد أنا جاوزناها في أوائل التيه في انتظار الركب وتناول الأغذية وهي عقبة فيها بعض صعوبة إلا أنها سويت حتى صارت طريقا بينا (٢) ومنها ينزل إلى أرض التيه وهي أرض مقفرة موحشة طويلة عريضة معطشة قد امتدت فيها الطرق امتداد السطور في الطروس ، لم يلحقها على قدم العهد الدروس ، وهذا المحل من المحال التي تعظم فيها المشقة أيام الحر وقد تتلف فيه أنفس كثيرة بالعطش.
قال أبو سالم وقد وقع لنا مثل ذلك في سنة تسع وخمسين ارتحل الناس من عجرود ظهرا ولم يمروا على النابعة فبتنا ليلتين بلا ماء إلا ماء عجرود الذي لا يتجرعه الضمآن ولا يكاد يسيغه فلم نصل إلى أرض التيه حتى اشتد الحر وقل الماء في اليوم الثالث ومات بعض الإبل وجعل الناس يعصرون ما في بطون الإبل من الفرث ويشربونه وفي ذلك قلت :
__________________
(١) في نسختين وصلينا.
(٢) في الرحلة الناصرية لا حبا وفي العياشية مليحا.