الموانع ، وبه تقطير الجمال وضبطها في سير الركوب ، واحتياج الماشي من تعبه إلى الراحلة والركوب ، فيا له من يوم تقطر فيه الدموع ، ويطول فيه الوقوف والوقوع ، وتشرب فيه الفقراء كاسات الردى ، لشدة ما يحصل لها من جور الجنود واعتداء الاعتدا ، فما من فقير إلا ويحتاج إلى غني يسعفه ، وإلى عادل من ظلامته ينصفه ، قال الشاعر :
قد أتينا إلى محل المصانع |
|
فاصنع الخير فيه إن كنت صانع |
وانفع الناس في كثير جميل |
|
على تلقى خيرا كثيرا ونافع |
واعلم أن عدة درج المسير ، إلى هذه المنزلة ست ساعات على التحرير ، ثم قام دليل الركب للمسير ، وأمر الناس من تقطيع أزمة الجمال بالتقطير ، فسرنا طول ليلنا إلى الأسفار ، واسترحنا بالوصول إلى عجرود عن مشقة الأسفار ، فوصلنا إلى بندر عجرود ، وماؤه ملح أجاج غير مورود ، فأتانا أهال بندر السويس ، وعطفوا علينا انعطاف الأغصان في الميل والميس ، وأهدوا إلينا الأخطاب للمشاعل ، والأغنام للمآكل ، وعدة درجة هذه المرحلة المبهجة ، سبع وثمانون درجة ، انتهى كلام الشيخ البكري.
فلنرجع إلى ذكر مراحلنا ، وحيث انتهى سيرنا ، فأقول لما قضى الناس من هذا البندر الأوطار ، وعانقوا أعناق التسيار ، وجدوا السبخة لكثرة ما توالى عليها من الأمطار ، بركة واحدة من جميع أرجائها والأقطار ، فنكبوها وعدلوا ذات اليسار ، ونزلنا بعد ما توغلنا في الرمل مغيربان ، في أفيح بسيط وأوسع مكان ، ثم ارتحلنا من ذلك الموضع يوم السبت وبلغنا وادي الرمل قبل الظهر ووجدنا به غدرانا من الماء غدرها السيل ، لما جر عليها الذيل ، وللناس إليه أي ميل ، وأدركنا الركب التونسي هنالك ، وكان قد خرج من مصر قبلنا لما تأخرنا للتوارك ، كما ذكرنا وسرنا حتى