ذكر خروجنا من مصر
ولما ظعنا من البركة نزلنا الدار الحمراء وهي لا ماء فيها بل إنما يأتي الحاج بالماء من النيل يصحبه إلى أن يصل دار عجرود أو يجاوزه إذ ماؤه قبيح لا يشربه إنسان إلا خرج من حينه بل يغير طبيعة شاربه فلما يسلم شاربه من مرض البطن فيستعدون الماء تلك المرحلة إلا الفقراء فيضطرون لشربه فلا يسلمون منه غالبا بل الطعام الذي يطبخ به تصيبه مرارة فلا يؤكل إلا بشدة الجوع.
نعم الذي عنده وسع في ماله وقوة في زاده يشتري الماء العذب إذ يأتون به من النيل فيباع في الأسواق إذ أسواق الركب المصري كثيرة لا يمكن عدها إذ فيها كل خير مما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين وترغب فيه الناس إلا كان فيه سواء كان نازلا أو سائرا فإن من لم يصحبه زاد من طعام وشراب وعنده فلوس يشتري كل ما يحتاجه منه غير أنه يشتريه بزيادة الثمن وإنما الرخاء فيه بكثرة ما يباع فيه من المطاعم والملابس والفواكه والخضر حتى يحكم الإنسان ويجزم أن مصر خرجت برمتها وما فيها إذ تجد الطبائخ من أنواع الأطعمة والأشربة والأغذية أحسن مما يوجد في الأمصار الكبار ومع ذلك هم سائرون فالمضطر الجائع يجلس عند الطباخ ويأكل عنده ما يحتاجه بثمنه فتجتمع نعمتان الاستراحة والشبع بل عنده نعمة شاملة كأنه حاضر في سفر ونزهة في كدر وعبرة في ضرر ورحمة في سفر.
انعطاف إلى ما كنا بصدده وهو أن عجرودا هذا قد يوجد فيها بعض المياه العذبة في نواحيه وكذا في نواحي الدار الحمراء غير أنها ليست في كل الأوقات ولا أنها تكفي الحاج ومع ذلك لا يعلمها الحاج وإنما يخبر بها بعض الأعراب.
ولذا قال شيخنا سيدي أحمد بن ناصر المذكور ما نصه قرب هذه الدار مررنا