ثم قمت فدخلت المسجد وإذا بالفاضل المذكور سيدي الهاشمي واقف معي فأعطى لي نحو رطل من تمر معجون معه شيء من الرغيف حاصله أتاني بما يكفي الإنسان الجائع فقال من يتوكل على الله ويعتمد عليه لا يتحير في أمر العيش ولا ينتظر غير الله تعالى فتعجبت من كلامه واطلاعه على ما بنفسي وما رأيته قبل قط فكأنه حاضر في قلبي فعلمت أنه ولي من أولياء الله تعالى فرغبت في صحبته وإذا هو راغب مني فتعلق بي تعلقا كليا فأعلمت به الأخ في الله والمحب من أجله صاحب الكشف أيضا والصدق تحقيقا سيدي محمد الشريف البلغيثي الطرابلسي وابن عمي سيدي محمدا صالحا وتلميذي سيدي محمدا الجوادي فتلعق الجميع به ظاهرا وباطنا ثم أنه لم يفارقني إلى أن سافرنا إلى الحج فنفعنا الله به آمين.
ولما رجعنا من الحج وجدناه ينتظر جماعتنا خارج مصر ثم ذهب بنا إلى داره رغبة ومحبة وفرحا وسرورا فأقمنا عنده ثلاثة أيام ومع ذلك ما ترك أحدا منا يخرج من داره أصلا.
هذا وأني كنت لا آكل سمنا ولا لحما ولا أداما فإن رمت شيئا من ذلك خرج عقلي فلما وصلت داره فأتى بكل ما منعت منه فقال لي كل ولا تخف قلت خفت زوال عقلي إذا جربت نفسي في ذلك فقال لي كل فأنت مأمون من كل ما تخافه بإذن الله تعالى فأكلت وما صار لي شيء من ذلك بإذن الله تعالى فعلمت أن له حالا قويا مع الله تعالى ثم كان معنا كذلك إلى أن سافرنا إلى بلدنا نعم مرضت مرضا في مصر وأشرفت فيه على الموت وكنت حينئذ في الوكالة فيضيق علي الحال مع الوحشة إذ أصحابي ربما خرجوا وتركوني وحدي فحين يتقوى التوحش علي وإذا به وارد يؤنسني ويقول لي لا تخف فإن الله يعافيك أو كلاما هذا معناه.
والحاصل أن هذا السيد من أكابر الصالحين والعلماء العاملين فينبغي أن تشد