ذلك ارتفع عنه مدة وسبب ذلك أن بعض الناس من أصحاب الشرطة من الظلام جاء ليقرأ عليه ويحضر مجلسه فخطر لهذا الشيخ أعني الشيخ الصباغ كيف يحضر هذا من أصحاب الشرطة مجلسي والنبي صلى الله عليه وسلم فيه مع أصحابه أي استعظم ذلك فلما علم الجميع منه ذلك قام أبو بكر فقال له ألم تعلم أن هذا من أمته صلى الله عليه وسلم وتبعه عمر بأن قال قوله ثم عثمان كذلك ثم علي كذلك ثم محمد صلى الله عليه وسلم وقال بمقالة الجميع ثم قال الصباغ المذكور فصرت لا أراه صلى الله عليه وسلم إلا في النوم وأراه كما تراه الرعاة وقد كان أذن لي في الكلام معه وبعد هذا أن رأيته لا أتكلم معه.
يؤخذ من هذا أن العبد لا يحقر أحدا بين عينيه ولا يذمه بقلبه ولا يفر من مجالسته ولا من مخالطته إن جاء طالبا للخير كائنا من كان ولو كان ممن يجاهر بالمعاصي ولعله يكون بمخالطتك وحضوره معك تائبا راجعا إلى الله تائبا إليه نادما على ما صدر منه مقلعا فتكون سببا في صلاحه وقد قال صلى الله عليه وسلم ولئن يهدي الله بك رجلا واحدا خير من أن يكون لك حمر النعم أو كما قال وأما ازدراؤه وغمصه بين عينيك أو التحاشي عنه بحيث لا يسمع منك كلاما من الخير أو تقول هذا لا يجالس مثلي ولا يكون في زمرة الأخيار تعظيما لجانبك أو جانب من كنت معه فكبر وبطر عن الحق فالذي يجب عليك أن تنقذه مما هو فيه بأن تداويه بالوعظ والزجر إن كان لا يفر (١) وإلا فباللين حتى يرجع عما هو عليه ومع ذلك أعتقد أنه أولى منك إذ من كان على شر أولى ممن كان على خير ويقول أنا فإن الطاعة لا تكون مع الكبر والعجب ورؤية العمل للنفس واستحسانها له والمعصية لا تكون معصية مع الذل للنفس وانكسار القلب من أجلها أي المعصية.
__________________
(١) في نسخة يفرق.