نعم قد ألزمت نفسي أني لا أعطي دراهمي أحدا إلا بعد رفع الأحمال والدخول في السفر فأخذ ذلك الجندي الدراهم من بعض الحجاج اعتمادا على الشيخ المذكور فبعد يومين أو ثلاثة هرب (١) بالدارهم على أني بعثت له جملا بعشرين ريالا أبو طاقة والأجل مكة فذهب الجمل إلى أن وصل بولاق فرجع الجمل بنفسه من غير قائد ولا سائق وهو من خوارق العادة إذ من غفل لي دابته طرفة عين أخذت من غير شك فلما علمنا بهروبه ربطنا ولد أخيه وأعلمنا حاكم بولاق فحبسه وأعطى الحجاج ما وجد بين يديه من المال فلعناه وقسمناه بينهم فصار لكل نصف ما أعطى إذ قد أحاط الدين بجميع ماله.
نعم فلا تغتر أيها الحاج بحلاوة اللسان من الشياطين ولا بإظهار المودة ولا بكثرة الإيمان فإنهم ذئاب في ثياب وكذا أن أتوا لك بهدية لا تقبلها منهم فإنهم يريدون التحيل بالوصول بها إلى مالك فتقع في شبكة لا مخرج لك منها فلا يعتبرون عهدا ولا مودة ولا يمينا ولا صحبة ولا شيخنا ولا وليا إلا المكر والخديعة فلا يرجى منهم إلا الخيبة والخسران والنكث والعكس ولا ينجو منهم إلا من اشترى إبلا لنفسه وحمل عليها وإلا فقد قطعوا الطريق وأسبابها لأنهم أن قدروا على أخذ المال تحيلا فعلوه وإلا أخذوه بإعطاء رشوة لأصحاب المخزن من الدعاوي الكاذبة والفجور وإظهار الشكوى بلسان الباطل وغير ذلك من فضائحهم (٢) فلم يبق إلا النصرة بالله والاعتماد عليه ليحفظك من شرهم وبسبب ذلك انقطعنا عن الركب المصري.
نعم اجتمعنا وتشاورنا فظهر لنا السفر مع سلطان فزان وحاكمه لما ظهر لنا فيه
__________________
(١) في ثلاث نسخ إلا وهرب.
(٢) في نسخة فظائعهم.