ولا يقطع الكراء مع واحد من عرب الدرب حتى يأتي عريفهم لأمير الركب فيتقاطع معه في الكراء ويعطون له حملاء هناك بمصر لئلا يغدروا وربما غدروا في بعض السنين فيغلي الفول في بعض البنادر فيكابد الناس لذلك ما الله به عالم فإذا كان اليوم الحادي والعشرون من شوال خرج المحمل من القاهرة وهذا اليوم هو يوم خروج المحمل الخروج الكبير الذي هو من أيام الزينة ويجتمع له الناس من أطراف البلاد إلى أن ينزل خارج باب النصر بالعادلية فيقيم هناك إلى اليوم الثالث والعشرين فيرحل من هناك إلى البركة ويخرج أمير الحاج وجميع عسكره ويخرج مع الركب من المشيعين ومن العساكر والأمراء أضعافهم فتنصب الأسواق هناك فيخرج غالب الباعة والمتسببين بحيث يوجد هنالك ما يحتاج للسفر بأرخص من سعر مصر ويقيمون هنالك إلى آخر اليوم السابع والعشرين وأما المغاربة فلا يخرج منهم إلا من قصده هنالك مع المصري مؤثرا مشي الليل على مشي النهار مستسهلا مشقة السهر بالليل عن حر النهار لا سيما في أيام الصيف وإنما يؤثر ذلك غالبا صنفان من الناس أهل القوة والثروة الذين لهم شقاذف ومحامل وهوادج ينامون فيها بالليل على ظهور الإبل ويصبحون بالنهار كأنهم مقيمون ولا شك أن هذا أولى لهم من السير نهار إذ وطنوا أنفسهم على بذل الدينار والدرهم للجمال والعكام والسقاء والطباخ وقائد الإبل وغيرهم وهم في ذلك متعاطون من النوم على ظهر الدابة ما تأباه الشريعة السمحة المبنية على الرحمة والشفقة. والصنف الآخر الفقراء الذين لا إبل لهم ولا أمتعة فيسترفقون عند المصري بالماء المسبل في أوقات من الليل وعند الرحيل نهارا مع ما ينالهم من أهل الثروة من التصدق بفضل الأطعمة إلا أنهم يكابدون مشقة عظيمة في المشي والسهر ليلا وفي النهار يشتغلون بالسعي على ما يقوتهم فلا يكادون ينامون إلا قليلا وأما المستوقة والباعة والجمالون من فلاحي مصر فلهم قوة وفرط صبر على مكابدة أعظم من ذلك فبالليل يسيرون وبالنهار يعملون في البيع والشراء