والسقي والطبخ وعلف ال بالسعي على ما يقوتهم فلا يكادون ينامون إلا قليلا وأما المستوقة والباعة والجمالون من فلاحي مصر فلهم قوة وفرط صبر على مكابدة أعظم من ذلك فبالليل يسيرون وبالنهار يعملون في البيع والشراء والسقي والطبخ وعلف الإبل وإصلاح أقتابها ومداواة جراحاتها فلا يكادون ينامون حتى القليل.
أقول قال شيخنا أبو سالم وقد أخبرنا عن بعض من اعتاد السفر في درب الحجاز من الجمالين أنه لم ينم من يوم خرج من مصر إلى أن رجع إلى مصر مائة يوم وهذا كالمحال عادة فان صح فهو من أغرب الغرائب ولعله كان لا يضطجع للنوم على هيئة القاصد لذلك بل يغفي إغفاءة تارة على ظهر بعيره وتارة في وقت انتظار حاجة أو فراغ من أكل أو ما يظاهي ذلك فإن كان مثل هذا فلا يستبعد انتهى.
وأما من لم يقصد الذهاب مع المصري من المغاربة فلا يخرجون إلى اليوم السابع والعشرين من شوال وينزلون بالبركة عند رحيل الركب المصري أو قبله بقليل.
قلت وهكذا كانت العادة وقد يؤخرون في هذه الأواخر بحسب تجهيزهم وتهيئة زادهم وما يحتاجون إليه لمسافة الدرب أمامهم ولله در العلامة الصلاح الصفدي (١) :
درب الحجاز مشقة لكن إذا |
|
الجمال هان تسهلت أهواله |
أصبحت في تصريف جمالي على |
|
ما يشتهي فكأنني جماله |
قد كان خف على فؤادي لو غدا |
|
من فوق ظهري بالسوا أحماله |
ويكون طوعي في الذي أختاره |
|
لكن قسا وتضاعفت أثقاله |
وقال أيضا في المعنى :
__________________
(١) هذه القطعة ساقطة من نسختين.