أفاضل العلماء قالوا بحرمته لما فيه من ضرر الأبدان بل في بعض الأحيان انه يغيب العقل ويوجب إسرافا في المال من غير منفعة دنيوية ولا دينية بل مضرهما.
وقد قال الشيخ عبد الباقي في شرحه على العزية عند ذكره لشربه فقال بجوازه إذ لا دليل على تحريمه شرعا والأحاديث المروية في منعه موضوعة يدلك على وضعها ركاكة ألفاظها غير أن جوازه مقيد بقيود منها أنه لا يضر بالبدن فان اضربه حرم وكذا لا يمنع السلطان من شربه فإن منع منه حرم أيضا لأن السلطان له أن يمنع المباح فإن منعه صار حراما نص عليه غير واحد من شراح خليل وغيرهما من القيود فالمنع حينئذ من شربه طوق في عنق وأيضا في شربه التشبيه بأهل النار في قوله تعالى (وَما أَدْراكَ مَا الْحُطَمَةُ ٥ نارُ اللهِ الْمُوقَدَةُ ٦ الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ ٧ إِنَّها عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ ٨ فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ ٩) ولا شك أن الدخان كذلك يطلع على الأفئدة وناره موصدة في عمد الذي هو الغليون في لغة مصر والسبسي في لغة المغرب.
فإذا تمهد هذا ظهر أن نظر العارفين ليس كنظر غيرهم لأنم لهم أدلة زائدة على القدر استدل به جميع العلماء وهي الإطلاع على خبث الأشياء الملتبسة التي وقع فيها الخلاف بين العلماء وكذا الأشياء الطيبة الملتبسة أيضا عندهم وإذا وقع الخلاف في الكل فيستدل حينئذ برأي العارفين في الجواز والمنع فيكون حينئذ من المرجحات لما لهم من الكشف التام والإدراك الحقيقي على أتم حال وأكمله إذ لا يشك فيهم لغيبتهم عن الأكوان والآثار والأوهام لأشراق شمس الحقائق على قلوبهم فلم تبق ظلمة الأوهام فيها قل جاء الحق وزهق الباطل فإذا لاح على قلب العارف فعل المختلف فيه مع كونه كاملا في علمه مستوفيا لشروط الاقتداء بفعله فإن ذلك يستدل به على كونه مأذونا فيه لا سيما إذا كان مما يستعان به على العبادة أو ينور القلب فلا جرم في جوازه وأن وقع لبعض العلماء فهي النهي لا سيما إذا كان فحا أي