بلد إلى أن آل إلى ما آل بحيث عمت البلاد المشرقية وكثيرا من المغربية فيحمل منها في كل سنة من بلاد اليمن لكل أفق من الأفاق شرقا وعربا آلاف من الأحمال فتدفع فيها أموال قلما تدفع في غيرها من التجارة فيبلغ الحمل منها في مكة إذا رخص فوق العشرين ريالة وبمصر إلى الخمسين وفي البلاد الشاسعة كأفريقية وبلاد الروم من القسطنطينية وغيرها فوق المئين ثم قال لكل جواد كبوة ولكل صارم نبوة.
رأيت في مكة كلاما لابن حجر الهيتمي المكي في إباحة القهوة بالغ فيه بالثناء عليها وذكر محاسنها وكان من جملة ما ساقه مساق الاستدلال على أنها مباحة وأنها من شراب الصالحين ومعينة على العبادة أن كثيرا من السلاطين والولاة والحكام قد بالغوا في أرادة قطعها والنداء عليها في الأسواق أن لا تشرب ولا بد من أراقتها وزجروا عليها بأنواع الزجر ومع ذلك لم تزد إلا شهرة وشيوعا في البلاد فدل ذلك على أنها من شراب الصالحين وأنه قد شمل نظر مخرجها ومبدعها فلا يقدر أحد على قطعها أو كلاما هذا معناه لطول العهد به.
قال وهذا الاستدلال كما ترى ساقط فإن الدخان الذي شاع في الأفاق أكثر العلماء على تحريمه وهو الصحيح إن شاء الله لما اشتمل عليه من المفاسد ولا منفعة فيه أصلا وأنفق أرباب القلوب شرقا وغربا على التنفير منه وكراهته ولم يزل الأمراء مجتهدين في قطعه ومع ذلك فلا يزاد إلا شهرة بل الخمر المحرم بالكتاب والسنة والإجماع قد اشتهر في كثير في الأمصار وعمت البلوى به غالب الأقطار فالاستدلال بالشيوع وعدم القطع الولاة والحكماء على الإباحة لا يخفى ضعفه وبطلانه على من له أدنى معرفة وتمييز بين صحيح الأدلة وباطلها فكيف بذلك الإمام اللهم إلا أن يقال لما لم يقتصر على الاستدلال عليه وضم غيره إليه فكأنه لم يعتمده دليلا بل ذكره مقويا للأدلة ومستأنسا به وهو الظاهر من كلامه ومع ذلك فلا يخفى ضعفه فان