على ذلك وهو أكبر منافعها عندهم أنها تقدم للضيف وتقوم قام الطعام عندهم ولا يستحي أحد في تقديمها للباشا فمن دونه ويقوم ذلك عندهم مقام ما يتكلفه المرء عندنا من أطعمة كثيرة تبلغ قيمتها في الأحيان دينارا فأكثر ودرهم واحد يقوم مقام دينار لا يكرهه أحد بل لو قدم إليه أي طعام ولم تكن معه فكأنه لم يقدم شيئا وإن قدمت هي كفت.
قال أخبرنا شيخنا الملا إبراهيم بن حسن الكوراني أن شيخنا الإمام صفي الدين القشاشي كان يقول مما أنعم الله به على أهل الحجاز هذا البن أي القهوة لأنهم ضعفاء فقراء في الغالب والناس يقدمون عليهم من الأفاق والإنسان لا بد له من طعام يقدمه لمن دخل عليه ولا قدرة لهم على تكلف ذلك لكل أحد يدخل عليهم وهذه القهوة خفيفة المئونة والناس راضون بها غنيهم وفقيرهم ورئيسهم ومرؤسهم فكانت صيانة لوجوه الفقراء عند ورود أحد عليهم فلا يبعد أن تكون مستحبة عند أهل الحجاز لأن اتخاذ الإنسان ما يصون به عرضه مطلوب شرعا.
قال ذلك بعض الشراح وقد سئل عن حكمها قال وكلام هذا الشيخ مع جلالة قدره وجمعه بين العلم الظاهر والباطن وكلام غيره من أئمة الطريق مما يتقوى به قول من قال بإباحتها لأن المسألة إذا كانت ذات قولين وكان الصوفية مع إحدى الطائفتين ترجح قولهم لا محالة لما رزقوه من صدق الإلهام ونفوذ البصيرة مع تأييد الله لهم عند اشتباه الأمور فيميلون مع الحق أين ما مال لرفضهم دواعي الهوى نص على ذلك غير واحد من الأئمة وقد شاع وذاع عند كثير من الناس بل ذكره غير واحد ممن تكلم عليها أن أول من أحدثها وأخرجها من أرض اليمن الشيخ الولي الصالح المتفق على ولايته سيدي علي ابن عمر الشاذلي اليمني وأمر أصحابه بشربها ليستعينوا بذلك على السهر في العبادة ثم لم يزل أمرها يفشو شيئا فشيئا ومن بلد إلى