فمن أين له الشهادة التي هي أشرف مقام خص الله بها من جاهد في سبيله ثم من صبر لضر أنزله به مولاه حتى لقي ربه وهو راض عنه نعم إن لم يمت هذا المغصوص بأثر الغص وطالت حياته حتى تاب من فعله توبة صادقة ثم مات بأثرها من تلك الغصة لا يبعد أن يقال هو شهيد بغصته ولو قيل أنه مرتكب في المعصية بعد توبته لبقاء أثر ما سبب فيه كما قال إمام الحرمين في الخارج من المغصوص تائبا لما بعد ذلك والصحيح صحة توبة هذا المغصوص إن لم يمت بأثرها كتوبة الخارج من المغصوب. اه – فليتأمل قلت ما ذكره من النظر فيه نظر عندي إذ لا فرق بين الأبق الذي مات في قتال الكفار وبين من غص بشربة خمر إذ كلاهما عاصيان بسببهما لأن الأبق نفس سفره معصية وهو السبب في موته وكذا شرب الخمر فانه السبب أيضا فإن سلم الأول أنه يثاب من جهة القتل ويعاقب من جهة الأباق لزمه أن يسلم الثاني أيضا لأنه يثاب من جهة الموت لكونه شرق بشربة فمات فهو شهيد لظاهر ما ورد فيه لأنه لا فرق فيما غص فيه انه مأذون فيه أم لا فيشمل المحرم لأن الشهادة حاصلة بالإشراق فمن غير اعتبار لما حصلت به فيعاقب من جهة ويثاب من جهة.
فإن قلت الأباق ليس سببا مباشرا للموت لأن الموت إنما حصل بقتال الكفار مباشرة والأباق سبب السبب الذي هو حصول القتل من الكفار فافترقا فلم يكن حينئذ الغص مثل الأباق لما علمت من كون الغص مباشرا في الموت بخلاف الأباق.
قلت لا فرق بينهما عند التأمل لأن سفر الأباق معصية وحصول الموت له نشأ عن معصية كذا الغصة فإنها معصية نشأ عنها الموت وقتال العدو لمسلم يوجب له الشهادة كما يوجبها الإشراق أيضا فلا فرق بينهما حينئذ حصل عن سبب مباح أو غيره لأن ما به الموت موجب الشهادة ولا علينا من غيره فإن كان السبب طاعة أثيب