عاص لشربه الخمر اه ـ كلامه وهذا الأخير عندي غير مقبول لأن الشهادة رتبة شريفة وهي من الرخص التي ترخص الله بها لعباده المؤمنين فأكرمهم بها زيادة في ثوابهم على ما حملوا أنفسهم من المشقة المتلفة لأنفسهم في مرضاته والعاصي في فعله لا يترخص له ولا سعي له في مرضاة ربه حتى يرضيه بالشهادة نعم إذا كانت المعصية بغير ما وقع به القتل كالأباق أو من زنى أو من سرق في سفره فهذا قد يقال فيه شهيد من جهة عاص من جهة لأن الجهة منفكة فجهة قتله غير جهة عصيانه وأما إذا كان سبب القتل في نفسه معصية كشرب خمر فيغص بها أو تمكين امرأة من الزنى بها فيموت فيبعد أن تحصل لهذا رتبة الشهادة أليس الغريق والحريق وذو الهدم والمبطون وغير هؤلاء كلهم قد ورد أنهم شهداء فلو أن أحدهم رمى بنفسه عمدا في البحر فغرق أو في النار فاحترق أو تناول سما أو دواء معلوما فمات لا يقال فيه شهيد اتفاق وكذلك هذا تناول معصية كانت سبب حتفه أنّى له الشهادة اللهم إلا أن يكون المحترق مثلا ممن قام لنار يريد إطفاءها ولا يعلم أنها تحرقه فغلب حتى احترق أو أراد إنقاذ غريق وهو يظن من نفسه القدرة على ذلك فغلب فغرق أو غير ذلك من الوجوه التي يكون فيها أصل الفعل الذي وقع به القتل مباحا فهذا شهيد بلا كلام وشارب الخمر أن لم يقصد به إتلاف نفسه فهو معصية وحدها وما ترتب عليه من القتل معصية أخرى سببها معصية وإن لم يكن القتل مقصودا فإن المعصية لا يتوقف كونها معصية على القصد إليها ونيته إنها معصية فإن الطاعة هي التي تتوقف على النية دون المعصية فيؤاخذ بها عاجلا ويعاقب آجلا نواها أم لا ألا ترى أن من تعمد ضرب إنسان ولم يرد قتله ولا قصده فمات منه فإنه آثم آجلا ويقتص منه عاجلا لأن السبب الذي نشأت عنه المعصية معصية كشرب الخمر في مسألتنا فهو معصية ونشأت عنه معصية أخرى وهي قتل نفسه إلا أنها ليست مقصودة له فلا ينفعه عدم القصد ولا يدرأ عنه الآثم ولو سلما أن آثم القتل مندفع عنه لكونه غير مقصود له