وبالجملة فأهلها لهم عقول راجحة وذكاء زائد فمن استعملها في الخير فاق فيه غيره ومن استعملها في الشر فكذلك.
وقد ذكر ابن خلدون في كتابه منتهى العبر أن بعض ملوك المغرب سأل بعض العلماء ممن حج عن مصر فقال له أقول لك فيها قولا واختصر من المعلوم أن دائرة الخيال أوسع من دائرة الحس فغالب ما يتخيله الإنسان قبل رؤيته إذا رآه وجده دون ما يتخيل ومصر بخلاف ذلك كلما تخيلت فيها فإذا دخلتها وجدتها أكثر من ذلك.
وسئل آخر عنها فقال كأن الناس فيها قد حشروا إلى المحشر لا ترى أحدا يسأل عن أحد ساع فيما يرى فيه خلاص نفسه.
وقد أخبرني شيخنا سيدي أبو مهدي عيسى الثعالبي أيام كنت أتردد معه إلى مجلس شيخنا شهاب الدين الخفاجي فقال لي من لدن دخلت هذه المدينة ما رأيت أحدا يمشي في أزقتها وأسواقها على مهل وسكينة وتؤدة بل كل من تلقاه تراه مشمرا جادا في سيره إن كان راكبا فراكبا وإن كان ماشيا فكذلك فتأملت ما ذكر لي فوجدت صادقا وسبب ذلك والله اعلم أمران.
أحدهما الرغبة والحرص المستكن في القلب فيحمل الإنسان على أن لا يفوته شيء من أغراضه وهو يظن أنه لو توانى في مشيه لفاته غرض مع كثرة الأغراض وتزاحم الأشغال.
والآخر كثرة الزحام في الأسواق فكل سوق دخلته تقول هذا أكثرها زحاما فإذا خرجت منه إلى الآخر وجدته مثله أو أشد وقد شاهدنا الناس في بعض الأسواق تارة يقفون هنيئة لا يقدر أحد على أن يتحرك يمينا ولا شمالا من غير أن يكون هناك حاصر لهم من أمام إلا الزحام وربما رفع بعضهم صوته بالتكبير فيكبرون حتى يظهر