هم فيه من الإهانة والاحتقار تضرب ظهورهم وتؤخذ أموالهم ولا مشتكي لهم إلا لله ومن تجاسر منهم اشتكى ضوعف عليه العذاب الأليم.
قلت ولعل لأجل هذه الدقيقة يكثر فيهم الصالحون لأن نفوسهم ميتة قد تربوا على الذل والاحتقار وزالت الرياسة وحبها من قلوبهم بل لم تسكنها قط فإذا وفق أحدهم لعمل الطاعة والتفت أدنى التفات لإصلاح حاله لم يبق مانع بينه وبين ذلك لأن أكبر الموانع وأعظم الآفات حب الرياسة ومن جال في أرياف مصر واستخبر أهلها علم صحة ما ذكرنا ومن لم يجل فليطالع الأخبار في الكتب المؤلفة في ذلك كطبقات سيدي عبد الوهاب الشعراني رحمه الله وغيرها يرى مصداق ذلك وأخبار مصر وظلم الولاة بها وغش الباعة وحيل المتسببين ومكر العاملين أعظم من أن تحصى ولا غرض في تتبع ذلك ومن أراده فيسأل من وردها يخبره ببعض البعض من ذلك.
وبالجملة فمصر أم البلاد شرقا وغربا لا تستغرب شيئا ما يحكى عنها من خير أو شر ومصداق ذلك ما حدثني به بعض أصحابنا من التجار في سنة أربع وستين قال لما دخلنا مصر في حدود الخمسين سكنت في بعض الوكائل وكان من قدر الله أن اجتمعنا في محل واحد جماعة منا فلان وفلان تجار وفلان طالب علم وفلان ممن يميل إلى طريق الفقر وفلان وفلان من أهل الجنون وأهل المجون المسرفين على أنفسهم المطيعين لهواهم ذكر كلا بأسمائهم قال فإذا أصبحنا تفرقنا كل واحد يغدو لحاجته فإذا جن الليل جمعنا المنزل فنتحدث بما رأينا فيقول التاجر ما رأينا مثل هذا البلد في التجارة فأهله كلهم تجار ويحكي من حكاية ذلك ما شاهد ويقول الفقيه مثل ذلك والفقير مثل ذلك وذو المجون مثل ذلك وما ذلك إلا لكثرة الناس فيها فمن طلب جنسا وجد منه فوق ما يظن فيظن أن غالب أهل البلد كذلك.