رقابهم فضلا عن أموالهم ولا يجدون عن ذلك محيصا بمنعة أو فرار حتى لو أن أحدهم أراد أن يتخلى عن السبب ويترك المزارعة والفلاحة لم يتركوه ولو فر لا تبعوه حتى يأتوا به أينما كان.
قال الإمام العياشي في رحلته حتى استفاض عند العمال الفسقة أن ثلاثة لا تقبل فيهم شفاعة شافع فيعدون منهم من يريد أن يتخلى عن الزراعة والفلاحة قاتلهم الله أنى يؤفكون لا هم ينصفونهم فيخففوا عنهم من المظالم ولا هم يتركونهم يذهبون حيث شاءوا يسبحون في الأرض يرزقون كم ترزق الطير الالتقاط من نبات الأرض وخشاشها فتغدو خماصا وتروح بطانا اتخذوا مال الله دولا وعباد الله خولا والله من ورائهم محيط ولا حول ولا قوة إلا بالله.
وقد ذكر ابن خلدون (١) أن مصر لا بد أن تشتمل على طائفتين إحداهما في غابة العتو والاستكبار والأخرى في غاية الذل والاستحقار (٢) وقد صدقوا لقد كان بها فرعون وملاؤه فلم ينته دون أن قال أنا ربكم الأعلى وبنو إسرائيل إذ ذاك مستضعفون في الأرض يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم أي تركهن من غير قتل ثم لم تزل كذلك وأنها في زماننا بل قبله بأزمان لعلى ذلك الوصف فباشاتها وسناجقها وولاتها وحكامها بل وسائر جندها وعسكرها فيما يظهر لنا ليس فيها إلا من أعماه حب الدنيا وأصمه وختم على سمعه وقلبه لا يرحمون ضعيفا ولا يوقرون كبيرا أينما تبدو لهم صبابة من الدنيا وثبوا عليها إن كان صاحبها حيا تسببوا له بأدنى سبب حتى يأخذوا ماله أما مع رقبته أو بدونها إن كان في العمر فسحة وإن كان ميتا ورثوه دون بنيه وبناته وأما رعيتها وفلاحتها فلا تسأل عما يلاقون من الجند من الظلم وما
__________________
(١) كذا في الرحلة الناصرية وجميع النسخ وفي الرحلة العياشية ذكر المؤرخون.
(٢) في غير الرحلة العياشية الاحتقار.