ولكن هذا الكتاب الجغرافي للهمداني يفترض في قارئه أن يكون على معرفة بالمعالم الهامة في البلاد ، واتجاه سلاسل جبالها الرئيسية ، ووديانها ، ومواقع الكثير من مدنها. فليس من المستطاع الاعتماد على وصفه في رسم خريطة وإن تكن مقاربة ، بل لا بد من خريطة سليمة تبين المعالم العامة في الإقليم ، لتمكن الدارس من متابعة وصف المؤلف ، ولعل تلك التي نشرها الدكتور جلازر (١) تحقق الغرض المطلوب. ومحك ميزتها ـ لا ريب ـ هو تمكينها الدارس ، بمعونتها ، من متابعة الهمداني خطوة فخطوة ، دون صعوبة تذكر إلا المقابلة في بعض الحالات بين الأسماء القديمة والحديثة للمواضع ، وإنها لصعوبة يتجنبها القارىء في الكثير من المستفيضات الهامة التي تلحق بها شروح مطبوعة. لكن خريطة جلازر لا تشتمل لسوء الحظ إلا على القسم الشمالي من بلاد اليمن ، أما الجنوبي فقد اعتمدت فيه اعتمادا رئيسيا على الخريطة التي نشرها مانزوني في سنة ١٨٨٤ مع الكتاب الذي يتضمن أخبار رحلته ، ولو أننا مع ذلك ، تركنا جانبا وصف مانزوني لمسالكه إبان رحلته ، وهو وصف ثقة لا شك فيه ، لرأيناه قد اضطر للاعتماد على جهد من سبقوه ، فأتم عمله مشكورا ، وإن يكن دون ريب قد ضل عن القصد ، والمصاعب التي يتعين على الباحث التغلب عليها يمكن أن ندركها على الأقل إدراكا جزئيا حين نحاول التوفيق بين الفروق الشاسعة التي نجدها في إقليم الحدود بكل من خريطتي جلازر ومانزوني ، وكان ينبغي تطابقهما عندها ، ولكنهما على النقيض تباينا تباينا لا مزيد عليه.
وفي إبان اشتغالي بتحقيق كتاب عمارة ، أعددت لاستعمالي الخاص رقعة رسمتها رسما مقاربا ، كنت أثبت عليها ، بقدر ما وسعني التحديد ، مواقع أماكن عدة ، أفتقر إلى تبينها لأتابع عمارة في تاريخه ، والجندي في كتابه عن القرامطة.
وقد رأيت بعد تردد قليل طبع هذه الخريطة على هيئتها تلك. وسوف يتبين للقارىء أنني ـ فيما تصديت له من أماكن لم تثبت مواقعها بعد ـ لم
__________________
(١) كانت سنة ١٨٨٧.