أزعم لنفسي إتيان ما يجاوز الإشارة على تقريب متفاوت إلى حيث قد يقع بعضها ، أو تقع أطلاله ويمكن البحث عنه. وأسوق مثلا لهذا : المذيخرة والشرجة وعثر وحرض ومحل أبي تراب والزرائب وغيرها.
ونعزي المصاعب الجمة التي تقترن بمحاولة تحديد مواقع بعض الأماكن إلى التغييرات الكبيرة التي طرأت على سواحل البحر الأحمر ، وسواحل اليمن بصفة خاصة. فالبحر لا يني ينحسر عن البر ، رويدا رويدا ، منذ قرون عدة ، انحسارا أدى إلى طمر الثغور القديمة بالرمال حتى اختفت من الوجود ، ثم إلى ظهور مرافىء جديدة ، أينما وإبان بعد قاعه عند الساحل (١).
والأخطاء الكثيرة التي وقع فيها الكتاب العرب من أمثال ياقوت وابن سعيد وابن خلدون وغيرهم ، تزيد في الصعاب التي تحيط بدراسة الموضوع ، ومن أمثلتها تلك الروايات المضللة القائلة : إن ذا جبلة تقع على جبل صبر ، وأن المذيخرة وعدن لاعة متجاورتان ، وأن عدن أبين وثغر عدن المعروف مكانان مختلفان.
وقد أخذ ياقوت (ربما بطريقة غير مباشرة) أكثر معلوماته عن عمارة ، فهو إذن لا يزيدنا شيئا على ما يحتويه متننا هذا. وقد وجدت في غيره من الكتب أن المعلومات التي أوردها ياقوت بصفة عامة في حاجة إلى شيء من الضبط والتحقيق قبل أن نأخذ بها ونعتمد عليها. فمن النادر أن يدلنا في شيء من الدقة على موقع مكان. وحين يخبرنا ـ كما دائما يفعل ـ أن موضعا من المواضع يقع على مقربة من زبيد أو من صنعاء ، فلزام علينا دائما تقبل بيانه بالحيطة ، فما كتابه الجغرافي «معجم البلدان» ـ وإن لم نشك حقا في نفعه ـ إلا مجموعة عن كتابات مختلفة تتفاوت في مزاياها ، جرى فيها لسوء الحظ ، على سنن درج عليه بنو جلدته ، فلم يذكر عادة المصادر التي استمد منها معلوماته.
__________________
(١) والخط الساحلي في الخريطة المدرجة في هذا الكتاب منقولة عن خريطة إمارة البحر البريطانية ؛ انظر كذلك ملاحظات جلازر ص ٣٠ (كاي).