وجدير بنا الإقرار بأن كتاب عمارة (تاريخ اليمن) ليس من الكتب التي تؤهل صاحبها للانخراط في سلك كبار المؤرخين في العلم. يتضح ذلك مما قاله عمارة من أنه ما كتبه للتثقيف والتعليم ، بل لإزجاء وقت فراغ أحد العظماء ، لذلك أبرز فيه ـ في براعة وحذق ـ كل ما يمكن أن يؤدي إلى هذا الهدف من فكاهة أو نادرة. أما المسائل ذات الخطر فكان يلمسها لمسا رقيقا ، أو يدع بعضها دون تناول. ولكنه مع ذلك احتفظ لنا بالحقائق الرئيسية في التاريخ الإسلامي لوطنه ، في العصر الذي عاش فيه.
أما أسلوبه في كتابة هذا التاريخ فيمتاز بالبساطة والسلاسة. وكان يعبر عن إحساسه بكل ما هو شيق وجذاب ، في قوة ورصانة. وأن هذه ليست أقل المزايا في عمارة ، فإنه قد احتفظ لنا بصورة عجيبة ، بل غريبة غاية الغرابة لحياة العرب وأخلاقهم ، على نحو يمكن أن أقول عنه إنه لا يفوقه في الأدب العربي إلا ما ورد في قصص ألف ليلة وليلة.
ومخطوطة المتحف البريطاني على جانب كبير من النقص ، تزخر بأخطاء من جميع الأنواع ، وليس أدل على هذا من أن الناسخ لم يكلف نفسه مشقة فهم المعاني في العبارات التي كان ينسخها.
ومن الأخطاء المعتادة الشائعة : استبدال الألف بالياء في الأفعال المقصورة ، وإبقاء الألف في كلمة (ابن) حين يتعين حذفها ، وحذفها حين يتعين بقاؤها. وجرى الناسخ على حذف التشديد والهمزة حتى إذا كان عدم وجودهما ـ وخاصة التشديد ـ يحول دون وضوح المعنى الذي استعملت فيه الكلمة ، من أن يكون قريبا للأفهام ، وإعجام التاء الأخيرة في الألفاظ المؤنثة ، مهمل في كافة الحالات تقريبا. وثمة فوق هذا أخطاء إملائية مختلفة.
أما عن مواضع الشكل المحذوفة أو التي أسيء وضعها ، فقد تكلمت بما فيه الكفاية لأبين أنه كان من المستحيل نشر المتن كما هو في هذه المخطوطة. وحرصت على أن أزود النص بما هو في حاجة إليه من الهمزة والتشديد كلما رأيت ذلك يفيد في ضبط العبارة.