صلاح الدين ، وكان إذ ذاك يقيم بقصر اللؤلؤة ـ الذي كان من قبل مقرا للأمراء الفاطميين ـ كان القصر لا يزال عامرا بالأثاث والرياش الفاطمي الفخم ، فأنشد الشاعر رفيق عمارة أربعة أبيات يمدح بها نجم الدين قال : إن القصر نال الشرف الأعظم بنزول الأمير فيه أكثر مما ناله من سكانه القدامى ، ثم ختم شعره بقوله : كان القصر لؤلؤة وكان سكانه القدامى صدفتها ، أما أنت فلؤلؤة والقصر صدفة. فاغتاظ عمارة ورد على الشاعر بأبيات من نفس الروي والقافية متناولا تلك الاستعارة التي جعلت من الصدفة مقاما للؤلؤة ، ثم مختتما قصيدته ببيت نزل فيه بصاحبه الشاعر إلى ما دون الكلب ، إذ الكلب ـ في القليل ـ ذو فضيلتين : الأمانة والوفاء.
هذه القصة رواها المقريزي ، كما أورد مقتطفات جمة من قصيدة عمارة التي تفجع فيها لما حل بدولة الفاطميين ، وفيما يلي مطلع القصيدة ، أضيف إليها أبياتا أخرى اخترتها اتفاقا :
رميت يا دهر كف المجد بالشلل |
|
وجيدها بعد حسن الحلي بالعطل |
يا عاذلي في هوى أبناء فاطمة |
|
لك الملامة إن قصرت في عذلي |
بالله زر صاحبي القصرين وابك مع |
|
ي عليهما لا على صفين والجمل |
وربما عادت الدنيا لمعقلها منكم |
|
وأضحت بكم محلولة العقل |
والله لا فاز يوم الحشر مبغضكم |
|
ولا نجا من عذاب النار غير ولي |
ولا سقى الماء من حر ومن ظمأ |
|
من كف خير البرايا خاتم الرسل |
باب النجاة فهم دنيا وآخرة |
|
وحبهم فهو أصل الدين والعمل |
نور الهدى ومصابيح الدجى |
|
ومحل الغيث إذ ونت الأنواء في المحل |
ويقول المقريزي : بأن هذه القصيدة كانت سببا في موت عمارة ، فهي لا تدع مجالا للشك إذا كانت قد وصلتنا بالصورة التي كتبها بها مؤلفها ، في أن عمارة كان من رجال الفرقة الإسماعيلية ، كما أنها لا تجعل من الصعب علينا أن نفهم سر إبائه انتحال عقائد الشيعة ، مع أن الاعتبارات الخاصة بالمصلحة الشخصية وبلوغ أرفع المراتب كانت تحتم عليه الانخراط في عداد أتباع هذا المذهب.