وقد خلف يعفر ابنه محمد بن يعفر الذي دان لسيادة الخليفة المعتمد (٢٥٦ ـ ٢٧٩ ه.) منصبه حاكما على صنعاء ، ودخلت في حوزته حضرموت والجند ، وتحالف مع بني زياد ، وكان يدفع لهم الجزية السنوية.
وفي سنة ٢٦٢ ه. حج بعد أن أناب عنه ولده إبراهيم ، فلما عاد سنة ٢٦٥ ه. شيد مسجد صنعاء على الطراز الذي احتفظ بطابعه حتى عصر الجندي. وقد قتل إبراهيم أباه ، ثم لم يكفه قتله ـ فيما نقل الجندي عن ابن الجوزي ـ بل قتل عمه وابن عمه ، وزوجة أبيه ، قبل انقضاء ستة أشهر على وفاة المعتمد ، أي في المحرم من سنة ٢٧٩ ه. وظل إبراهيم محالفا لأمراء بني زياد ، ولكن حكمه لم يدم طويلا ، وخلفه ابنه أسعد الذي فتح القرامطة (١) في عهده جزءا كبيرا من بلاد اليمن ، ويمضي الجندي في وصف فتوحات القرامطة ، وخضوع أسعد لعلي بن الفضل على نحو ما جئنا به في هذا الكتاب. ومقتل محمد بن يعفر على يد ابنه إبراهيم ، لم يرد فيما ذكره الخزرجي عن تاريخ تلك الحقبة ، التي اختلف في رواية حوادثها اختلافا ظاهرا عمارة والجندي. يقول الخزرجي : وظل إبراهيم يسوس مملكته بعد عودة أبيه من مكة ، ثم شبت نار الثورة في صنعاء بعد سنة ٢٧٠ ه. بقليل ، وعرض الثوار على جعفر بن أحمد المناخي أن يولوه عليهم ، وسرعان ما خرج بنو يعفر جميعا من المدينة. ثم قتل محمد بن يعفر بعد ذلك بقليل في شبام (٢). ولم يخلفه إبراهيم بل ابن أخ له ، يدعى عبد القادر بن أحمد بن يعفر. والظاهر أن السبب في العدول عن تولية إبراهيم ، هو اتهامه باغتيال أبيه. وظل عبد القادر حاكما لمدة أيام قليلة ، ثم جاء من بغداد وال في صفر سنة ٢٧٩ ه. هو علي بن حسين جفتم ، فوصل في الشهر التالي لقتل محمد بن يعفر ، كما جاء في الجندي ، وحكم جفتم إلى سنة ٢٨٢ ه. ثم عاد إلى العراق فخلا الجو لإبراهيم بن يعفر ، وأصبحت له السيادة
__________________
(١) يذكر (كاي) نقلا عن المؤرخين العرب كلمة القرامطة كثيرا بدون تحفظ ، والواقع أن إسماعيلية اليمن ليسوا قرامطة بل فاطميون ، والفرق بين الاثنين أن القرامطة يؤمنون بالباطن فقط وأن الفاطميين يؤمنون بالظاهر وبالباطن (الصليحيون : ٢٧ ـ ٦١).
(٢) سبق ذكره.