بسلخ اليمن عن بقية الدولة. يقول ابن خلدون : واختار المأمون ابن زياد لما عرف عنه من شدة بغضه لآل علي (١).
ونسب ابن زياد ـ فيما يبدو ـ يصل به إلى عبيد الله بن زياد ، الذي قام بدور رئيسي في مقتل الإمام الحسين ، سبط النبي ، ذلك الحدث المشهور الذي بات بفضل كتابات جيبون غير مجهول عن قراء الإنجليزية : وزياد هذا هو جد مؤسس زبيد : وهو فيما عرف عنه ابن لأبي سفيان ، وأخ لمعاوية ، أول خلفاء بني أمية. وقد اقترن مولده بما يثير الشبهة حول حقه في ادعاء هذا النسب ، حتى اشتهر باسم «زياد بن أبيه». وإذا كان معاوية قد أقر بأخوته ، فإقراره هذا لم يكن عن اقتناع منه بحقه في النسب ، بقدر ما كان ذريعة أراد بها تألف جماح هذا الرجل الخطير الطموح.
ويغلب على الظن أن معظم ما ظفر به زياد من نجاح وسلطان ، إنما يعزى إلى ملكة الخطابة لديه. فقد روي أنه حين كان فتى لم يكد يجاوز العشرين من عمره خطب في المدينة خطبة أسرت بلاغتها لب سامعيه ، فقال عمرو بن العاص : «لله درّ هذا الغلام! .. لو كان أبوه من قريش لوسعه أن يسوق العرب بعصاه ...» ـ عندئذ قال أبو سفيان : «إني والله لأعلم من أبوه». وكان علي قريبا منه فالتفت إليه بقطع هذا الحديث الخطر ، ويقول له : «صه يا أبا سفيان. إنك لتعلم أن عمر لو أدرك ما عنيت ، لما نجوت
__________________
(١) روي أن ثورة أخرى وقعت باليمن سنة ٢٠٧ ه. (الطبري) وقد قادها عبد الرحمن بن أحمد العلوي. وقمعها فيما تقول الرواية ، دينار بن عبد الله ، الذي سيره إليها المأمون على رأس جيش قوي. ويقال : إن هذه الثورة نشبت في بلاد العكيين. وليس من السهل التوفيق بين هذه الرواية وبين الرواية القائلة بأن هذه البلاد كانت في تلك الأثناء خاضعة كل الخضوع لابن زياد على أن الراجح أن هذه الثورة الأخيرة إنما شبت بتهامة اليمن ولم تستشر سريعا على النحو الذي ذكره عمارة. ويخبرنا الهمداني (المتوفى سنة ٣٣٤ ه.) ـ ص ١٠٣ ـ أن أسرة بني شريح ، (وهم بطن من قبيلة ذي رعين الحميرية) قد سيطرت على تهامة اليمن منذ عهد المعتصم (٢١٨ ـ ٢٢٧ ه.) حتى عهد المعتمد (٢٥٦ ـ ٢٧٩ ه.) ويروي لنا في موضع آخر (١٢٠) أن بني شريح قد سيطروا في زبيد سيطرة تامة على كافة القبائل القريبة المجاورة. انظر أيضا ص ١١٩.