أخيه ، صلاح الدين يوسف ، ولقبه العاضد بالملك الناصر ، وقد ظل محتفظا بهذا اللقب وهو راض حتى وفاته.
وفي المحرم سنة ٥٦٧ ، بينما كان الخليفة العاضد مريضا مرض الموت ، عمل صلاح الدين على إزالة الخلافة الفاطمية ، وإعادة البيعة للعباسيين ، متأثرا في ذلك بميوله الخاصة ، ومستجيبا لمطالب أتباعه ، ومنفذا لأوامر سيده نور الدين. وكان العاضد عندئذ على شفا الموت حتى ليشك المرء في أنه استبان نهاية أسرته. وكانت البلاد مهيأة لهذا التغيير ، فلم يلق من الناس خارج القاهرة معارضة تذكر ، فما كانوا يرون من سمات هذا الانقلاب الخطير الذي وقع سوى ذكر اسم الخليفة العباسي ببغداد في الخطبة. على أنه لم يمض وقت طويل حتى كشف عن مؤامرة في القاهرة دبرت بمعونة ملك بيت المقدس لإعادة الدولة الفاطمية ، وسرعان ما قضى عليها وقبض على زعمائها ، وكان عمارة من بين من لصقت بهم تهمتها ، وثبت جرمه ، فحكم عليه بالموت ، ونفذ فيه الحكم في الثاني من رمضان سنة ٥٦٩ ه. وصلبت جثته وعرضت للناس ثلاثة أيام في مكان عام. وقد قيل إن عمارة قد أشار بفتح اليمن وأنفذت مشورته حتى ينشغل بفتحها جيش تحت إمرة توران شاه أخو صلاح الدين ، فإذا ما غاب توران شاه ، وقتل صلاح الدين ، خيل للمتآمرين أن في هذا ما يضمن نجاح تدبيرهم.
ويعتبر القاضي أبو علي عبد الرحيم البيساني من أعلام هذا العصر ، ولقد شغل رئاسة الكتابة في عهد الفاطميين ، واشتهر باسم القاضي الفاضل ، وكان يمتاز بشهرة عالية لإلمامه بشؤون الإدارة المصرية ، وبلاغته في الترسل والأسلوب. وفي المتحف البريطاني مجلدان يحويان مجموعة من مأثوراته ورسائله ، لا يزال الشرقيون يعدونها نماذج في أسلوب الترسل ، وإن كانت لكثرة المحسنات اللفظية لا تتفق وذوق القراء الغربيين (لقد أتيحت لي فرصة نشر قطعة تعد مثالا لطريقة القاضي الفاضل في النثر الأدبي ، منقولة من خطط المقريزي ، ونشرت في مجلة الجمعية الأسيوية الملكية مجلد ٢٣).
وكان القاضي الفاضل دميم الخلقة ، ولكنه كان مع ذلك محبوبا جدا ، وقد نال منزلة عالية عند صلاح الدين إذ كان من أنصاره المتحمسين له ،