طلائع بن رزيك (١) يشغل هذا المنصب في الوقت الذي وصل فيه عمارة إلى القاهرة ، ويلقب بالملك الصالح. وكان عمارة معروفا له من قبل ، إذ سبقت له زيارة مصر ولقي فيها حفاوة مرموقة. فلما جاءها هذه المرة ، أحسن الوزير استقباله في بلاطه. وكان طلائع متشيعا للمذهب الإسماعيلي ، فحاول حمل عمارة على اعتناقه ، ولئن كان قد أخفق فيما رمى إليه ، فلقد ظل طوال ما بقي من عمره يبسط صداقته للشاعر اليمني ، ويتولاه بالرعاية.
وتوفي الخليفة الفائز سنة ٥٥٥ ه. فخلفه العاضد (٢) أخر خلفاء الفاطميين ، ومات طلائع في السنة التالية (٣) ، فعين ولده مكانه ، ولقب بالملك العادل الناصر ، ولكنه اغتيل في المحرم سنة ٥٥٨ ه. وقد أمدت المنازعات التي تلت مقتله ، الأتابك نور الدين محمود سلطان حلب بذريعة التدخل في شؤون مصر. فسير إليها (٤) جيشا بقيادة القائد الكردي أسد الدين شير كوه ، سرعان ما انتصر لشاور على منافسيه ، وأعاده لمنصب الوزارة. ولكن هذا الوزير ما لبث حين سنحت له الفرصة أن عمل على التخلص من حماته الأكراد ، مستعينا عليهم بملك بيت المقدس المسيحي ، فصارت مصر طوال السنوات الخمس التالية مسرحا لسلسلة من المنازعات ، سرعان ما أدت إلى صراع بين كتائب نور الدين ، وكتائب الصليبيين (النصارى) على امتلاك مصر. وفي النهاية انتصر نور الدين ، قائد جيش الأتابك ، واضطر الصليبيون إلى مغادرة البلاد مشيعين بحقد أهلها بسبب ما ارتكبوا من فظائع القسوة والاغتصاب.
وفي سنة ٥٦٤ ذبح شاور ، وعين الخليفة الخائر العاضد لدين الله ، شير كوه في منصب الوزارة ، ولقب بالملك المنصور ، على الرغم من إقراره بالولاء لنور الدين. وتوفي شير كوه قبل نهاية السنة فخلفه في الوزارة ابن
__________________
(١) وزر للخليفة الفائز من ربيع أول سنة ٥٤٩ إلى رجب ٥٥٥ ه.
(٢) حكم من رجب سنة ٥٥٥ وخلع في المحرم سنة ٥٦٧ ه.
(٣) لطلائع في القاهرة مسجد قريب من باب زوبله لا يزال قائما إلى اليوم (كاي).
(٤) وكان ذلك سنة ١١٦٩ م.