لما بلغه من تقوم بن فضل. ليعمل الحيلة في قتله. فلبث عند أسعد مدة ، وكان جراحا (١) ماهرا بصناعة الأدوية. بصيرا بفتح العروق ، ومداواة الجروح (٢) وسقي الأشربة النافعة.
ولما اشتد (٣) خوف أسعد من ابن فضل. قال (٤) : إنني عزمت أن أهب نفسي لله وأتصدق على المسلمين ، لأريحهم من هذا الطاغية. فعاهدني إن أنا عدت إليك على (أن) تقاسمني ما يصير إليك من الملك ، فأجابه أسعد إلى ما سأل.
فتجهز الغريب وخرج من عند أسعد ، وهو إذ ذاك مقيم بالجوف (٥) ببلد همدان. على تخوف من ابن فضل. فسار الغريب حتى قدم المذيخرة. فخالطه وجوه الدولة وكبراؤها ، وفتح لهم العروق ، وسقاهم الأدوية النافعة ، وأعطاهم المعجونات ، فرفعوا ذكره إلى ابن فضل ، وأثنوا عليه عنده ، ووصفوه بما فيه من الصفة وقيل له : إنه لا يصلح إلا لمثلك.
فلما كان ذات يوم ، أحب الافتصاد ، فبحث عنه وطلبه ، فجيء له به. وحين وصله الطالب عمد إلى سم فعمله بشعر في مقدم رأسه. وكان ذا شعر كثير ، ثم لما دخل عليه ، أمره أن يتجرد من ثيابه ، ويلبس غيرها من ثياب كانت عند ابن فضل. ثم أمره بالدنو منه ليفصده. ففعل وقعد بين يديه. ثم أخرج المفصد وامتصه تبرية له من السم. ثم مسحه برأسه في موضع السم ، فعلق منه بعض الشيء ، ثم فصده بالأكحل (٦) وربطه وخرج من فوره. وحمل حاجاته (٧) على حمار له. وخرج من المذيخرة مبادرا إلى أسعد بن يعفر.
__________________
(١) في الأصل : جرائيا.
(٢) في الأصل : الأجرحة.
(٣) في الأصل : ولما شد خوف أسعد لابن فضل.
(٤) قال يعني الرجل الغريب.
(٥) اسم يطلق على منطقة واسعة في ديار همدان.
(٦) اسم لأحد الأوردة.
(٧) في الأصل : هراوة.