فلم يلتفت إليه بل كتب كتابا يخيره ويقول : إن لي بأبي سعيد الجنابي أسوة [١٤١]. إذ قد دعا إلى نفسه. وأنت إن لم تنزل إليّ وتدخل في طاعتي (١) نابذتك الحرب (٢) ، فلما ورد كتابه إلى المنصور بذلك ، غلبه على ظنه صحته. وطلع جبل مسور ، وأخذ بتحصينه. وقال : إنما حصنت هذا الجبل من هذا الطاغية وأمثاله. ولقد عرفت الشر بوجهه ، حين اجتمعنا بصنعاء.
ثم إن ابن فضل بعد مديدة من تصديره الكتاب. تجهز إلى غزو منصور ، وانتدب إلى ذلك عشرة آلاف رجل من المعدودين في عسكره. وسار من المذيخرة حتى دخل شبام (٣). فحصل بينه وبين عسكر منصور حرب. وتكرر ذلك. ثم دخل ابن فضل بلد لاعة. وصعد جبل الجميمة (٤) بالجيم مفتوحة. وهو جبل فائش ، على قرب من مسور ، وهو لقوم يقال لهم بنو المنتاب.
فأقام به ثمانية أشهر يحاصر منصور ، فلم يدرك منه طائلا. وشق به الوقوف ، وعلم منصور بذلك فراسله بالصلح. فقال ابن فضل : لا أفعل إلا أن يرسل لدي ولده ، يقف معي الطاعة ، وإلا فلا يسمع مني أنني رحت بغير قضاء حاجة. ويشيع ذلك عند العالم أني تركته تفضلا لا عجزا ، ففعل منصور ذلك ، وتقدم معه بعض أولاد منصور ، ثم أن ابن فضل طوقه بطوق من ذهب (٥).
وانهمك في المذيخرة على تحليل محرمات الشريعة ، وإباحة محظوراتها ، وعمل بها دارا واسعة يجمع فيها غالب أهل مذهبه نساء ورجالا
__________________
(١) في الأصل : بإجابتي.
(٢) في كشف : ٣٣ «إنما هذه الدنيا شاه ، ومن ظفر بها افترسها».
(٣) أظن أن الموضع المشار إليه هو شبام أقيان (حاشية : ١١).
(٤) انظر حاشية : ١١ ، وفي خريطة جلازر وجدت جميمة وهي على خط عرض ١٦ والدقيقة ٦ (كاي).
(٥) في خ : أن منصور هو الذي وضع طوق في عنق ابن فضل (كاي).