نهائيا إلى مصر ـ يبدو وكأنما استقى معظم مادته من «تاريخ اليمن» الذي ضمنه عمارة إشارات إلى أحداث شتى في حياته. وقد أخبرنا بأنه ولد في الزرائب (١) وهي بلدة على الساحل الشمالي لليمن ، أو بالقرب منه ، في منازل قبيلة بني حكم ، تلك القبيلة التي ينتمي إليها عمارة ، كما يتضح في لقبه : الحكمي (٢) ، ويبدو أن اسمه ونسبه نجم الدين عمارة بن أبي الحسن علي بن أحمد بن محمد زيدان. وفي صحيفة العنوان من مخطوطة تاريخه بالمتحف البريطاني ، يلقب عمارة بالقاضي (٣) ، وإن لم يكن ثمة ما يدل على أنه تقلد وظيفة القضاء ، كما نجد إجماعا على تلقيبه بالفقيه.
وقد طلب العلم بمدرسة زبيد سنة ٥٣٠ ه ، كما حكى عن نفسه ، ولعله ولد في سنة لا تسبق ٥١٥ ه ، وهي السّنة التي ذكرها السيوطي (٤).
وقد رحل عمارة نهائيا عن اليمن سنة ٥٥٢ ه ، حين مضى إلى مكة ومنها إلى مصر ، حيث كان الرئيس الروحي للدولة الفاطمية إذ ذاك الخليفة الفائز (٥) ، الذي ولي العرش وسنه خمس سنوات بعد مقتل أبيه الظافر (٦) سنة ٥٤٩ ه. حين كان للخلفاء مظهر الحكم ، بينما السلطة الفعلية في الدولة كانت ـ وبقيت طويلا ـ بأيدي وزراء لم يقتصر نفوذهم على امتلاك أعنة النفوذ السياسي ، بل لقبوا كذلك بالملوك. ولقد منح الخليفة الحافظ هذا اللقب لأول مرة سنة ٥٣٠ ه. لأول وزير من هؤلاء الوزراء (٧). وكان
__________________
(١) من أعمال سليمان بن طرف (الصليحيون : ٨٣).
(٢) يقول ابن خلكان (وفيات ٣ / ١٠٧): «إن عمارة ولد في بلدة مرطان في وادي وساع» ، وهو مكان لم أستطع التحقق منه وسنرى أننا سنذكر مرطان ، ولكن من الواضح أنها ليست المكان الذي ذكره ابن خلكان (كاي).
(٣) العبر / كاي : ١٢٢.
(٤) حسن المحاضرة : ١ / ٢٨٣.
(٥) هو أبو القاسم عيسى حكم من مستهل صفر سنة ٥٤٩ إلى أن توفي في ٧ رجب سنة ٥٥٥ (وفيات : ١ / ٣٩٥).
(٦) هو أبو المنصور إسماعيل تولى في ٦ جمادي الآخرة سنة ٥٤٤ إلى أن اغتيل في ٣٠ محرم سنة ٥٤٩ (نفسه : ١ / ٧٨).
(٧) خطط : ١ / ٤٤٠ ؛ الكامل : ١١ / ٣١ ؛ حسن المحاضرة : ٢ / ١٥٥ ـ ١٦٢.