إنما قدمت عليهم داع للمهدي الذي بشر به النبي صلى الله عليه وآله وسلّم ، فحالفت منهم جمعا على القيام. فصار يؤتى لي بالزكاة. فلما اجتمع لي منها شيء كثير ، قلت : إنه ينبغي أن يكون لي معقلا يحفظ به هذه الزكاة ، يكون بيت مال المسلمين ، فبنيت عبر محرم (١) ، وهو حصن كان لقوم يعرفون ببني (٢) العرجا. ونقلت إليه ما كان قد تحصل عندي من طعام ودراهم. فحين سرت إليه بما معي ، وقد عاهدني خمس مئة رجل على النصر ، صعدوا معي الحصن بما معهم من مال وأولاد. فأظهرت حينئذ الدعوة إلى عبيد الله المهدي بن الشيخ ميمون ، ومال إلى موافقتي خلق بأسرهم (٣).
ثم لما أخذ جبل مسور ، واستعمل الطبول والرايات ، بحيث كان له ثلاثون طبلا ، إذا أقبل إلى مكان ، سمعت إلى مسافة بعيدة. وكان للحوالي حصن بجبل مسور ، له به وال ، انتزعه منه.
ثم حين علم استقامة أمره ، كتب إلى ميمون يخبره بقيام أمره ، وظهوره على من (٤) عانده. وبعث له بهدايا وتحف جليلة ، وذلك سنة تسعين ومئة. فحين بلغه الأمر ، ووصلت الهدايا ، قال لولده عبيد : هذه دولتك قد قامت ، ولكن لا أحب ظهورها إلا من المغرب [١٣٦]. ثم بعث أبا عبد الله الحسين بن أحمد بن محمد بن زكريا. المعروف بالشيعي الصنعاني ، إلى المغرب. وأمره بدخول إفريقية وسياسة أهلها ، واستمالتهم (٥) إلى طاعة ولده عبيد ، فقدم المغرب حيث أمره. وكان من رجال العالم الذين يضرب بهم المثل في السياسة ، فلم يستحكم أمره إلا في سنة ست وتسعين ومئتين. فكتب إلى المهدي يخبره بقيام الأمر ، وطاعة الناس له ، ويأمره بالقدوم إليه. فبادر عبيد الملقب بالمهدي ، وقدم إفريقية.
__________________
(١) في الأصل : عين محرم.
(٢) في الأصل : لبني العدما والتصحيح من ابن مالك.
(٣) في الأصل : حلق باشر.
(٤) في الأصل : على ما.
(٥) في الأصل : واستمالهم ؛ وراجع التعليق على الحاشية : ١٣٦ (كاي).