وكان منصور : قد عرف من ميمون إصابات (١) كثيرة ، فأجابه إلى ما دعا. فجمع بينه وبين علي بن فضل ، وعاهد بينهما ، وأوصى كلا منهما بصاحبه خيرا. قال منصور : لما عزم ميمون (٢) (١٥) على إرسالنا اليمن أوصاني بوصايا منها : أنني متى دخلت اليمن سترت أمري ، حتى أبلغ غرضي. وقال لي : الله ، الله ـ مرتين ـ صاحبك يعني ابن فضل ، احفظه وأحسن إليه ، وأمره بحسن السيرة ، فإن له شأنا ولا آمن عليه. ثم قال لابن فضل : الله الله أوصيك بصاحبك خيرا ، وقره ، واعرف حقه ، ولا تخرج عن أمره ، فإنه أعرف منك ومني ، فإن عصيته لم ترشد. ثم ودعنا ، وخرجنا مع الحاج حتى أتينا مكة ثم سرنا مع حاج اليمن حتى جئنا غلافقة [١٣٥] ، ثم تواصينا لا ينسى أحد منا صاحبه ، ولا يقطع خبره عنه.
ثم سرت حتى قدمت الجند ، وهي إذ ذاك بيد الجعفري. حتى تغلب عليها وانتزعها من ابن يعفر. وكان الشيخ قد قال لي : إياك أن تبدي بشيء من أمرك إلا في بلد يقال لها عدن لاعة ، فإنها البلد الذي يتم ناموسك ، وتنال غرضك فيها فلم أعرفها. فقصدت عدن أبين ، وسألت عن عدن لاعة ، فقيل لي : إنها بجهة حجة. فسألت عمن قدم (٣) من أهلها ، فأرشدت إلى جماعة قدموا لغرض التجارة ، واجتمعت بهم وصحبتهم ، وتطلعت عليهم حتى أخيوني. وقلت أنا رجل من أهل العلم ، بلغني أن لكل بلدا (٤) جبلا ، وأريد أصحبكم إليه ، فرحبوا وأهلوا. ثم لما أرادوا السفر خرجت من جملتهم ، وكنت في أثناء الطريق أتحفهم بالأخبار ، وأحضهم على الصلاة. وكانوا يأتمون بي فحين دخلت لاعة ، سألت عن المدينة فيها وأرشدت إليها ، ولزمت بعض مساجدها ، وأقبلت على العبادة حتى مال إلي جمع من الناس ، فلما علمت أن قد استحكمت محبتي في قلوبهم ، أخبرتهم بأني (٥)
__________________
(١) في الأصل : إصامات والتصحيح من خ.
(٢) انظر التعليق على الحاشية : ١٣٣ (كاي).
(٣) في الأصل : تقدم ؛ راجع التعليق على الحاشية : ١٣٥ (كاي).
(٤) في الأصل : بلد.
(٥) في الأصل : وإني.