وقد كان الشيعي غلب على ملكها ، وصار بيده ، فحين قدم المهدي سلمه إليه. فندمه ، وذمه أخوه ، وقال له : بئس ما صنعت ، بيدك ملك تسلمه لغيرك. وجعل يكرر ذلك عليه حتى أثر عنده. وهم أن يغدر بالمهدي ، فبلغه ذلك ، فاستشعر عنه ، ودبر عليه من قتله ، وقتل أخاه في ساعة واحدة ، منتصف جمادى الآخرة سنة ثمان وتسعين ومائتين.
وهذا عبيد الله (١) الملقب بالمهدي (٢) ، وهو جد ملوك المغرب ثم مصر. فابن خلكان يقول في نسبهم : العبيديون (٣) نسبة إلى عبيد (٤) هذا ، وناس يسمونهم العلويين ، على صحة دعواهم ، فالله عالم بالصواب.
فهذه نبذة بينت فيها حال القرامطة في اليمن ، وحال منصور الذي دعا إليه. وكان منصور ملكا مسددا. وأما [علي بن](٥) فضل فسيأتي من ذكره ما يبين حاله. فقد مضى نسبه ، وأصل بلده. فذكر من نقل سيرته أنه لما فارق منصورا من غلافقه ، كما قدمنا ذكره ، طلع الجبل ، ودخل الجند ، ثم خرج منها إلى أبين ، وهي إذ ذاك بيد رجل من الأصابح ، يقال له : محمد بن أبي العلي ، ثم خرج عنها إلى بلد يافع. فوجدهم (٦) رعاعا ، فجعل يتعبد في بطون الأودية ، ويأتون بالطعام فلا يأكل منه إلا اليسير ، لمن يحقق حاله. فأعجبوا وهم يسكنون برؤوس الجبال ، فسألوه أن يسكن معهم ، فلم يكد يجيبهم إلا بعد مدة ، حتى ألحوا عليه ، فذكر لهم : إنما يمنعه عن مساكنتهم عدم (٧) امتثالهم بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، وشرب الخمر ، والتظاهر بالفجور ، فحلفوا له على الطاعة ، وألا يخالفوه بأمر ، فوعدهم خيرا ، وصاروا يجمعون له زكواتهم ، حتى اجتمع له شيء جيد.
__________________
(١) في الأصل : عبد.
(٢) اسمه في العملة التي سكت باسمه عبد الله (كاي).
(٣) في الأصل : العبيديين.
(٤) في الأصل : نسبة إلى هذا عبيد.
(٥) زيادة لتوضيح المعنى.
(٦) في الأصل : فلقيهم ، وأثبتنا رواية خ.
(٧) في الأصل : إلا عدم.