كانت تصنع الوزراء لهم الولائم ، ويسعون لهم في الصلات ، يفترقون فيها على غير شيء.
ولما وصلت زبيد ، أسكنت الفقيه في آخر الدار ، بحيث لا يراه أحد غيري ، وكنت بالليل أقرأ عليه الفرائض ، وبالنهار أقرأ عليه حرف أبي عمرو بن (١) العلاء [٨١] في القرآن العظيم. وكان فيما يقرئه القراءات السبع ، ثم أخذت أكرر المسألة التي لأولاد رزيق ، إلى أن صرت أتحدث بها مع نفسي غيبا. ثم تقدمت إلى القائد سرور الفاتكي ، فادعيت عنده معرفتها ، وهو من أشد الناس حرصا على الابتياع من آل رزيق ، وقال : إن صحت دعواك دفعت لك كذا وكذا مبلغا ، قد أنسيته فلما صحت أحضر المال ، فدفعه إلى الفقيه أبي محمد عبد الله القاسم الأبار ، فهو رأس الشافعية يومئذ بزبيد ، وعليه قرأت المذهب الشافعي. ثم جمع الفقهاء إلى قاعات أرضية مفروشة بحر الرمل وجلس كل قوم يضربون الرمل ، ناحية من غيرهم ، فإذا صح لهم بطن نقلوه من الرمل إلى الورق ، إلى أن صحت لهم الفريضة جميعها. ولم يبرح من هنالك حتى قسم المال بين الفقهاء ، وأجزل نصيبي منه. ورجعت إلى منزلي ، فأحضرت المال إلى الفقيه الحضرمي فقال : أستغفر الله يا ولدي ، وقد كنت أكذب من يقول إنه رأى مئة دينار ، ثم دفع المال إلي. وقال : لا حاجة لي به ، وأنت تكفيني ، فحملته. ومات رحمة الله عليه بعد أن قضى الحج.
ولما همت الحبشة بزبيد بقتلي سنة خمسين ، قال لهم القائد سرور : أليس هو صاحب مسألة رزيق ، والله لا يقتل ، أما رزيق فلم يكن له نفاذ في سياسة العسكر ، ولا خبرة في إقامة نواميس السلطنة فلم يلبث في الوزارة مدة ، حتى استقال منها (٢) واستدعى لها الوزير أبا منصور مفلح الفاتكي.
__________________
(١) انظر حاشية : ٨١ (كاي) والتعليق عليها.
(٢) في الأصل : من الوزارة.